وذهب أبو حنيفة وسفيان الثوري (1) إلى: أن الرهن مضمون بأقل الأمرين من قيمته، أو الدين وبه قال عمر بن الخطاب، وذهب شريح (2) والشعبي والحسن البصري إلى أن الرهن مضمون بجميع الدين، فإذا تلف الرهن في يد المرتهن سقط جميع الدين، وإن كان أضعاف قيمته.
لنا مضافا إلى إجماع الفرقة، وأخبارهم ما روى سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: لا يغلق الرهن والرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه وفيه دليلان: أحدهما: أنه قال: له غنمه وعليه غرمه والثاني: الرهن [110 / ب] من صاحبه يعني من ضمان صاحبه ومعنى قوله لا يغلق الرهن أي لا يملكه المرتهن. والمراد بالغنم الزيادة و بالغرم النقصان والتلف وقولهم المراد بالغرم النفقة والمؤنة لا ينافي ما قلناه فيحمل اللفظ على الأمرين (3).
وقوله (عليه السلام): الخراج بالضمان وخراجه إذا كان للراهن بلا خلاف، وجب أن يكون من ضمانه.
ولا يعارض ذلك ما رووه أن رجلا رهن فرسه عند إنسان فنفق، فسأل المرتهن النبي (صلى الله عليه وآله) عن ذلك، فقال ذهب حقك لأن المراد بذلك ذهب حقك من الوثيقة لا من الدين، و قلنا ذلك لوجهين: أحدهما أنه وحد الحق، ولو أراد ذهاب الدين والوثيقة معا لقال: ذهب حقاك، والثاني: أن الدين إنما يسقط عند المخالف إذا كان مثل قيمة الرهن أو أقل، ولا يسقط الزيادة منه إذا كان أكثر، فلو أراد ذهاب حقه من الدين لاستفهم عن مبلغه، أو فصل في الجواب.
وقولهم: سقوط الحق من الوثيقة معلوم بالمشاهدة فلا فائدة في بيانه، غير صحيح لأن تلف الرهن لا يسقط حق المرتهن من الوثيقة على كل حال، بل إذا أتلفه الراهن أو أتلفه أجنبي، فإن القيمة تؤخذ وتجعل رهنا مكانه، فأراد (عليه السلام) أن يبين أن الرهن إذا تلف من غير جناية سقط حق الوثيقة.