الجدي في نفس العاقل إلى المعاهدة مع من هو كالجدار أو كالحمار، وعلمه بالتفاته فيما بعد لا يصحح المعاهدة معه فعلا، وسيجئ (1) إن شاء الله حال الوصية وأنها تمليك لا معاقدة مع الغير على ملكية شئ له، والتمليك لا يقتضي التفات المتملك وشعوره.
وأما عدم الأهلية لعدم الرضا المعتبر ولو لعدم اعتبار رضاه، فمن الواضح أنه لا دخل له بالتعاهد والتعاقد، فإنهما متقومان بالشعور والالتفات المحققين للقصد الجدي إلى المعاهدة مع الغير.
وأما عدم تأثير المعاقدة الحقيقية لعدم طيب النفس طبعا لها، أو لعدم الاعتبار بالطيب الطبعي الموجود شرعا فهو أجنبي عما يقتضيه حقيقة المعاهدة والمعاقدة، فتعليله (رحمه الله) بالخروج عن مفهوم التعاهد والتعاقد غير وجيه.
ومنه تبين أن جعل الحكم في المكره على خلاف القاعدة - لأجل الاجماع - غير وجيه أيضا، إذ الاجماع لا يجعل غير العقد عقدا، بل هو عقد حقيقي منوط تأثيره بتبدل الاكراه بالرضا الطبعي، فإذا تبدل دخل في التجارة عن تراض حقيقة.
وأما ما جعله (قدس سره) أصل في المسألة من أن الموجب لو فسخ قبل القبول لغى الايجاب، فهو باعتبار أن زوال الالتزام الصادر من الموجب، تارة يكون بالاختيار كما إذا رد الموجب قبل القبول وأبطله باختياره، وأخرى بلا اختيار كما إذا زال التزامه بجنونه أو بموته، أو كان حدوثا كالعدم من حيث عدم اعتبار رضاه شرعا.
وفيه: أن الفسخ موجب لحل الالتزام حقيقة، فلا إيجاب بالفعل كي يلحقه القبول ويرتبط به كي يتحقق بينهما عقد، بخلاف ما إذا مات بعد التزامه أو نام أو أغمي عليه بعده، فإنها لا توجب انحلال الالتزام، ولذا لا يشك في أن العهود والالتزامات لا تبطل بالموت فضلا عن النوم، ولا فرق بين الموت والنوم بعد لحوق القبول وقبله، فإن مقولة الالتزام النفساني أو القرار العرفي العقلائي إذا كانت تزول بالموت والنوم، فلا تبقى بلحوق التزام آخر مثله في بقائه حقيقة أو عرفا.