وأما بالنسبة إلى المنفعة الفائتة فلها حكمان: أحدهما ما مر من انفساخ العقد أو بطلانه، فيرجع ما يختص بها من أجرة المسمى. ثانيهما أن للمستأجر خيار التبعض من حيث الملك ومن حيث الغرض المعاملي. وأما ما في الشرايع من الحكم بالخيار قبل الإعادة (1) فربما يوجب بأنه من خيار تخلف الوصف، نظرا إلى أن مورد عقد الإجارة هي عرصة الدار. وأما التركيب والتأليف المقابل للانهدام فهو وصف للمعقود عليه، فلا يكون الانهدام موجبا للانفساخ بل موجب لتخلف الوصف الموجب للخيار. ولا يخفى أنه في غاية البعد عما عليه العرف، فإن المعقود عليه عندهم هو الدار بما هو دار، لا بما هي عرصة موصوفة بالتأليف والتركيب وفي قبال هذا التوهم أن مجرد الانهدام من باب التلف قبل القبض وإن أعيد بسرعة بحيث لا تفوت معه منفعة أصلا، نظرا إلى أن الإعادة إحداث لبناء جديد، والمعقود عليه كان متقوما بتلك الهيئة المؤلفة المنعدمة.
وفيه: أن طرف المعاوضة وهي المنفعة الخاصة على حالها على الفرض، والتبدل فيما تضاف إليه غير ضائر، لعدم كونه مقوما عرفا للدار التي ملك المستأجر منفعتها. ومما ذكرنا تبين وجه ما نقلناه عن الشرايع (2)، فإن الحكم بالخيار دون الانفساخ لأن الغالب امكان الإعادة، والخيار مع عدم الإعادة مع امكانها والتمكن منها كما هو الغالب إنما هو للامتناع عن تسليم المنفعة. نعم لم يتعرض لخيار التبعض بالنسبة إلى المنفعة الفائتة، والأمر سهل.
(الحادي عشر) في الأعذار الشرعية والعقلية المانعة من استيفاء المنافع الموجبة لانفساخ العقد تارة ولحق الفسخ أخرى.
(فمنها) ما تقدم من زوال الألم عن الضرس الذي استؤجر على قلعه، لكون قلعه حراما مع عدم الألم، والظاهر انكشاف بطلان الإجارة من الأول دون انفساخ العقد، لأن الإباحة في ظرف العمل وفي ظرف استيفاء المنفعة شرط صحة الإجارة