تقدير فكراهة ترك ذكر الأجرة لا مانع منها لدفع النزاع أو توهم الأجير أنه قد نقصه المالك حقه، وإذا لم يكن للعمل أجرة عادية بل أجرة المثل فلا محالة لا تصح الإجارة ولا الجعالة، للزوم معلومية الأجرة والجعل فيهما، فلا موقع لكراهة الجري على وفق الإجارة الفاسدة مثلا. بل ربما يحرم كما في التصرف بسكنى الدار، ولذا ذهب غير واحد من الأعلام إلى أنه معاملة مستقلة قامت السيرة عليها، فإن أريد أن هنا سببا معامليا يتسبب به إلى شئ فالمفروض عدم التسبب إلى تمليك العمل ولا إلى جعل على عمل بل ولا إنشاء الإباحة حتى تكون الإباحة مسببة عن إنشائها، بل مورد السيرة ما إذا كان استعمال من أحدهما برضاه وعمل من الآخر برضاه لا مجانا ولا تبرعا.
وشئ من هذه الأمور ليس سببا يتسبب به إلى شئ، ولا حاجة فيه إلى دليل خاص يدل على مشروعيته، فإن أذن صاحب الدار في سكنى الدار لا مانع منه لدليل السلطنة، وحيث إنه غير مجاني على الفرض ومال المسلم محترم فعلى المستوفي للمنفعة بدل المال المحترم واقعا، وكذا أذن المستعمل للأجير أن يعمل في داره لا مانع منه، وعمل الأجير برضاه من دون تبرع على الفرض لا مانع منه وعمله محترم فله البدل واقعا، فكما ليس بحسب مقام الثبوت أمر معاملي انشائي كذلك لا حاجة إلى إقامة الدليل على المشروعية، فالسيرة لا يستدل بها هنا على الصحة بل على أن ما بأيدي الناس هو هذا العمل المشروع، والحكم في مثله بكراهة الاتكال على أجرة المثل لا مانع منه دفعا لما ذكرنا وأما إثبات الكراهة بالروايتين الواردتين في هذه المسألة بعد تنزيل موردهما على المتعارف في جميع الأعصار والأمصار فهو أمر هين بعد ورود أمثال هذه التشديدات في ترك المستحبات وفعل المكروهات والله أعلم.
المبحث الحادي عشر: من أحكام الأجرة على ما في الشرايع أنه يكره أن يضمن الأجير إلا مع التهمة (1)، ونفس هذا العنوان يدل على أن المورد فيه ما يوجب