المبحث الرابع: من أحكام المنفعة إنها تملك بنفس العقد، والكلام فيه تارة بالنظر إلى مقام الثبوت وامكان ملك المنفعة قبل وجودها، وأخرى في مقام الاثبات وشمول العمومات والاطلاقات لها، ولا بد من التكلم في الأول، فإنه لا مجال لدعوى الاطلاق ونحوه مع عدم إحراز الامكان، مضافا إلى أنه لا شبهة في المسألة ظاهرا إلا من حيث عدم قبول المنفعة للملكية فنقول أم المقام الأول: فملخص تقريبه أن المنافع معدومة حال العقد، والملكية صفة ثبوتية محتاجة إلى محل ثابت فلا بد من الالتزام بعروض الملكية لها حال وجودها، وحيث إن وجودها تدريجي فيكن عروض الملكية لها تدريجيا، وحيث إن الأجرة بإزاء المنفعة فمقتضى المقابلة كون ملك الأجرة تدريجا وإلا لزم الخلف من كونها عوضا عن المنفعة في الملكية.
ومقتضى هذا التقريب أن المنفعة مع عدم الاستيفاء غير مملوكة ولا يلتزم به أحد، كما أن مقتضاه أن المؤجر يصح منه التمليك من دون أن يكون مالكا، لأن المفروض مقارنة ملك المنفعة ووجودها، ولا معنى لأن يملك المؤجر باستيفاء المستأجر، كما لا يعقل أن يكون المؤجر والمستأجر مالكين معا في زمان واحد، إذا آن الوجود لا تعدد فيه حتى يملك المؤجر في آن والمستأجر في آن آخر، فإن الآن الآخر آن وجود منفعة أخرى لا المنفعة الأولى.
وبالجملة المنفعة ليست كالعين حتى يمر عليها زمانان يكون أحدهما زمان ملك المؤجر والآخر زمان ملك المستأجر ليصح تمليك المنفعة من مالكها، وقد ذكرنا في أوائل الإجارة إن هذا الاشكال مبني على كون الملكية الشرعية والعرفية التي هي موضوع للأحكام والآثار من الأعراض والمقولات الواقعية، مع أنا قد بينا في محله استحالة ذلك بالبراهين القاطعة وأنها اعتبار أمر مقولي، والاعتبار لا يستدعي إلا الطرف في أفق الاعتبار، والمنافع يقدر وجودها فيتعلق بها الملك الاعتباري، وهو المصحح لطرفية الكلي مالكا ومملوكا للملك الاعتباري، ولا حاجة إلى العدول إلى جعل الإجارة تارة سلطنة على العين للانتفاع بها، مع أنها لا تعم عمل الحر، وأخرى