(ثالثها) ما يستفاد من بعض كلمات بعض الأعلام المتقدم ذكره من أن الحيازة سبب شرعي قهري لملك مالك الحيازة كائنا من كان، وهنا هو المستأجر دون الأجير الذي لا يملك الحيازة، وفيه أنه إن اعتبر في السبب هاتان الحيثيتان حيثية المالكية وحيثية الحائزية فإن من حاز ملك دون غيره فلا تكون الحيازة سببا لملك الأجير، لأنه غير مالك الحيازة ولا لملك المستأجر فإنه غير حائز، مضافا إلى أن المراد بملك الحيازة ليست الملكية الشرعية التي هي أحد الاعتبارات، لبداهة أن الحائز يملك إذا لم يكن أجيرا لأحد، وعمل الحر غير مملوك لنفسه بهذا المعنى من الملك بل له السلطنة شرعا على التملك بأسبابه، فالمنفي عن الأجير هي السلطنة اللازمة في تأثير حيازته دون الملكية التي هي منتفية على أي حال. فنقول السلطنة الوضعية المعتبر فيها انتفاء أسباب الحجر كما مر مرارا موجودة، والسلطنة التكليفية المساوقة للرخصة وإن كانت منتفية بفرض الحرمة المتعلقة بالسبب لكنها كما مر مرارا لا تمنع عن التأثير خصوصا مثل هذه الحرمة المقدمية الناشئة عن مقدمية وجود الضد لترك الضد. نعم لا سلطنة له على ايجار نفسه للغير، حيث لا قدرة له على التسليم بعد فرض كونه أجيرا للغير.
(الثاني) قد عرفت حال ما إذا آجر نفسه لكلي عمل خاص في مدة مخصوصة بنفسه وأنه لا تصح الإجارة الثانية من حيث عدم القدرة على تسليمه بتسليم فرده، وأما إذا آجر نفسه لكلي عمل خاص بشرط أن يأتي به في مدة مخصوصة فالمعروف فيه ثبوت الخيار من ناحية التخلف عن الشرط، وتوضيح القول فيه أنه إذا عمل لنفسه أو لغيره تبرعا كان التخلف دائرا مدار عمله، وأما إذا آجر نفسه للغير فتارة يؤجر نفسه بتمليك منفعته الخاصة في تلك المدة وأخرى يؤجر نفسه بالتعهد بالعمل الخاص مع الالتزام باتيانه في تلك المدة المخصوصة.
فإن كان من قبيل الأول فإن قلنا بصحة الإجارة من حيث عدم المحذور المتوهم من منافاته لحق الشرط فالتخلف لا يدور مدار العمل للمستأجر الثاني، لأن فرض صحة الإجارة الثانية ولزومها فرض عدم التمكن من الوفاء بالشرط المفروض