(الثاني) نسب إلى جماعة الفرق بين الواجب العيني فلا يجوز الاستيجار عليه والواجب الكفائي فيجوز بمعنى عدم منافاة الوجوب الكفائي بما هو وجوب لا بما هو تعبدي، فإنه سيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى. وحيث إن المباني في حقيقة الوجوب الكفائي مختلفة فاللازم بيانها وبيان ما يقتضيه عند هؤلاء الجماعة من عدم منافاته للاستيجار.
فنقول: الوجوب الكفائي إما أن يتعلق بكلي المكلف بما هو أو بصرف وجود المكلف أو بالكلي الساري في جميع آحاد المكلفين بضميمة خصوصية يمتاز بها الكفائي من العيني.
(أما الأول) فتقريبه أن الوجوب في الكفائي يتعلق بكلي المكلف بما هو، نظير تعلق ملك الزكاة والخمس بطبيعي الفقير والسيد، وكما أن الملكية من الاعتبارات القابلة للقيام بالكلي بما هو، كذلك الايجاب والبعث، فإنهما أيضا من الاعتبارات العقلائية، فلا مانع من تعلقهما بالكلي، وكما أن إقباض الفقير والسيد يوجب تعين الكلي فيهما فكذلك من قام بالفعل يتعين فيه الكلي الذي وجب عليه الفعل، ويستنتج من هذا أن الفعل من الأجير مملوك قبل تعين الكلي فيه، وصيرورته مملوكا لله تعالى بعد اتصافه بالوجود، فما هو مستأجر عليه حال ورود الإجارة عليه لم يكن مملوكا لله تعالى على الأجير. واستشهد بعض الأجلة من السادة " قدس سره " لهذا المعنى بأنه لا يلزم خصوص الأجير بالعمل من باب الأمر بالمعروف، ولو تعين فيه كلي من وجب عليه جاز إلزامه به.
والجواب إن البعث وإن كان من الأمور الانتزاعية إلا أن حقيقته حيث كانت موجبة لجعل الداعي حتى تنقدح في نفسه الدعوة فتنبعث منه الإرادة المحركة للعضلات نحو العمل فلا محالة لا يتعلق بعنوان المكلف بالحمل الأولي بل بالمكلف بالحمل الشايع ولو بواسطة العنوان الفاني في معنونه ومطابقه. ولو تنزلنا عن ذلك فمتعلق الإجارة لا بد من أن يكون قابلا للمملوكية في ظرف العمل لا حال عقد الإجارة والمفروض أن هذه المنفعة مملوكة لله حال وجودها، مع أن توصيف الفعل