إلا أن الغرور كما هو مقتضى طبع المسألة هو الموجب لاستقرار الضمان عليه، نعم إن فرض علم المتبرع له بأن العمل مملوك للغير لم يكن له رجوع إلى الأجير لعدم الغرور.
وأما الثالث: وهو رجوع الأجير إلى المتبرع له بملاحظة تسليم العمل له وعدم كون العمل مملوكا له حتى يكون تبرعه هتكا لحرمة عمله فهو وجيه إلا أنك قد عرفت آنفا قوة عدم رجوع الأجير إلى المستأجر الثاني فضلا عن المتبرع له، فلا موجب لرجوع الأجير إلا إذا فرض تغرير من المتبرع له بالنسبة إلى الأجير كما إذا أغفله عن أن هذا اليوم هو اليوم الخاص بالعمل المستأجر عليه، فيستقر الضمان على المتبرع له بتغريره لا بالتلف عنده.
(الثامن) جمع ما ذكرناه من أول مسألة الأجير الخاص إلى هنا فيما كان العمل المستأجر عليه أو المتبرع به منافيا للإجارة الخاصة. وأما ما لا ينافي فهو بطبعه لا مانع منه، إنما الكلام فيما إذا كانت جميع منافعه مملوكة للمستأجر مع خروج أفعاله العادية قطعا عن مورد الإجارة، فإنه ربما يقع البحث في بعض أفعاله من حيث اندراجه في تلك المنافع المملوكة وعدمه كاجراء صيغة عقد أو ايقاع فقط للغير، لقضاء العادة بخروج مثل هذه الأعمال الجزئية عن المنافع المقصودة، أو لفحوى خروجه بالنسبة إلى أعماله العادية، لعدم منافاته لحقوق الغير، أو أن الأجير الخاص بهذا الوجه كالعبد المملوك جميع منافعه لمولاه، ولا يبعد جريان العادة على خروج مثل اجراء الصيغة التي هي كالتحية العادية لأحد وكالتكلم مع الغير أو كالذكر وتلاوة القرآن عن ظهر القلب وأشباهه، ولا يقاس بالعبد، لأن المانع في العبد ليس مملوكية منافعه بل لكون قدرته مضمحلة في جنب قدرة مولاه واندكاك سلطانه في سلطان سيده فلا يتمشى منه شئ إلا بإذنه، مع أن مثل هذه الأفعال الجزئية من العادية والعقدية في العبد أيضا كذلك، إذ الظاهر من اضمحلال قدرته في قدرة سيده بقوله تعالى: " لا يقدر على شئ " (1) كون مورده من الأمور المهمة التي ينبغي