يدي الحلاق لحلق رأسه وأشباهها أمور متداولة، تمام حقيقتها استيفاء العمل بعوض لا تملك العمل بعوض، فلا مجال للتشكيك في الضمان بمجرد عدم صدق الاتلاف، فإنه يكفي استيفاء مال محترم من المسلم في عدم ذهابه هدرا.
وأما ما ذكره في الشرايع من الشقين وهما كون العامل تارة من عادته العمل بالأجرة وأخرى عدم كونه كذلك (1)، فلا أثر له في أصل استحقاق الأجرة بالعمل، بل من حيث كون العادة المزبورة بمنزلة القرينة النوعية على أنه عمل بقصد الأجرة لا متبرعا، بخلاف العمل من غير المعتاد، فإنه يحتمل منه قصد التبرع بلا قرينة على عدمه، إلا أن قوله معتبر من حيث إنه أبصر بنيته ولا يعرف إلا من قبله.
كما أن ما أفاده " رحمه الله " من عدم استحقاق الأجرة إذا لم يكن للعمل أجرة عادة ليس المراد منه عدم مالية العمل، فإنه من باب السالبة بانتفاء الموضوع بل المراد أن العمل وإن كان في نفسه متمولا لكنه لم تجر العادة على أخذ الأجرة عليه كالاستيداع فإن الاستيداع بطبعه لا يقع إلا من باب الاحسان وإن كان حفظ مال الغير قابلا للاستيجار عليه. إلا أن الالتزام بعدم استحقاق الأجرة لجريان العادة على التبرع بمثله مشكل فإنه لا يسقط احترام مال المسلم بجريان العادة على التبرع به مع عدم تبرع شخص العامل به. ومقام التنازع في قصد الأجرة وعدمه مقام آخر من حيث إن جريان العادة على التبرع في مثله قرينة على التبرع.
ومن حيث إنه أعرف بقصده وهو الأوجه، لأن استحقاق الأجرة متقوم بأمرين أحدهما كون العمل محترما والثاني عدم قصد التبرع لا قصد الأجرة حتى يقال بعدم مطابقة دعواه للأصل. وعليه فالقول قول العامل. إلا أن تكون القرينة العادية موجبة لظهور حال العامل في التبرع فإنه حاكم على الأصل فيكون قوله مخالفا للظاهر المعتبر شرعا. فالقول حينئذ قول المستوفي لعمله. والله أعلم.
السادسة عشرة: قال " قدس سره " في الشرايع: كل ما يتوقف عليه توفية