وحيث إنك قد عرفت في الأمر السابق عدم جريان خيار التعذر في الاتلاف فالصحيح أنه له خيار التبعض في المجموع، فإن فسخ رجع بالمسمى وإلا فله أجرة المثل في الماضي واستيفاء الباقي.
(الخامس) إذا سلم الأجير نفسه للمستأجر الأول وعمل له في بعض المدة الخاصة ثم آجر نفسه لغيره وعمل له باقي المدة فجريان الوجوه المتقدمة حتى خيار التبعض مبني على حصول القبض الذي معه الانفساخ بالتلف أو الاتلاف وعدمه، فإن قلنا بحصوله فلا موجب للانفساخ بالعمل في بقية المدة للغير، فإنه من التلف بعد القبض، ولا موجب لخيار التعذر، لأنه من التعذر على المالك بعد التسليم لا من تعذر التسليم ولا موجب لخيار التبعض، لأن المفروض أنه بتسلمه نفسه سلم جميع منافعه لا بعضها دون بعض ليكون له خيار التبعض، وإن قلنا بعدم حصول القبض المعتبر فلا محالة يكون حال هذه المسألة وسابقتها على نسق واحد.
فنقول: في تحقيق المبنى أن العمل على قسمين: فتارة يقوم بالعمل من دون تقومه بوجه بالمستأجر كالا جارة لنيابة الصلاة، فإنه غير استيفائية للمستأجر فتسليمها بايجادها فقط، ولا معنى لكون تسليم نفسه مقدمة للعمل. وأخرى مع قيامه بالعامل يتقوم باستيفاء المستأجر كما إذا صار أجيرا ليحمل المستأجر من مكان إلى مكان، فإن الحمل متقوم باستيفاء المستأجر فيتصور كون تسليم نفسه للمستأجر مقدمة لايجاد المنفعة وتسليمها إلى المستأجر، فحكمه في تسليم منفعته بتسليم نفسه كحكم تسليم منفعة الدابة بتسليمها.
أما الأول: فتسليم العمل حيث إنه بايجاده في بعض المدة فلا محالة يكون التسليم مساوقا للايجاد، فمع إيجاده في بقية المدة للغير يكون متمحضا في الاتلاف وعدم التسليم ولو تبعا، فتجري فيه الوجوه المقدمة كلا.
وأما الثاني: فتسليم المنفعة وإن كان تابع لتسليم العين إلا أن المعتبر في التسليم المترتب عليه الآثار تسليم العوضين دون غيرهما، وتسليم العين في البيع دفعي، وأما في الإجارة فتسليم المنفعة تدريجي لتدريجيتها، فتسليم العين في كل زمان تسليم لمنفعتها