الإنسان على نفسه له أن يتعهد بكلي في ذمته أو بعمل على نفسه، بل معنى كون البيع والإجارة معاوضة صيرورة كل من العوضين ملكا للآخر بإزاء صيرورته ملكا له فلا يلزم سبق إضافة المملوكية للمملك.
ومنه تعرف أن المراد بالمنفعة إذا كان مطلق ما يقع موردا للإجارة لم يكن اعتباره لازما، بل المراد خصوص ما يقابل العمل كما في منفعة الدار والدابة، ومما ذكرنا يظهر أن الأجرة إذا لم تكن ذمية لزم اعتبار مملوكيتها أيضا فلا يصح جعل عين مباحة بالإباحة الذاتية أجرة كما لا يصح جعل منفعتها مقابلا بالأجرة، فلا موجب لتخصيص المملوكية بالمنفعة فتدبر. ولنذكر ما يتعلق بملك المنفعة في طي مباحث:
المبحث الأول: المنفعة إما مملوكة بتبع ملك العين أو مملوكة بالاستقلال والانفراد، ومثل في القواعد (1) للملك الاستقلالي بملك المستأجر وفي الجواهر بملك الموصى له للمنفعة الموصي بها ولملك المنافع في الأوقاف العامة بناء على كون أعيانها ملكا لله تعالى (2) مقتصرا عليهما وهو الأنسب، إذا ليس الكلام في تعداد أقسام الملك الاستقلالي بل فيما يصح تمليكه بالإجارة بما هي إجارة، فلا ينبغي ذكر المملوك بالإجارة، بل المناسب ذكر ما هو مملوك استقلالا بغير الإجارة، وإن كان الحكم متحدا في الجميع من حيث التمليك الإجاري، ثم إنه كما قيد منفعة الوقف العام في الجواهر بكون العين ملكا لله تعالى كذلك كان ينبغي تقييد المنفعة بما إذا كانت ملكا للموقوف عليه، فإن الوقف العام تارة يقتضي ملك المنفعة وأخرى ملك الانتفاع، مثلا إذا كانت أرض الزراعة أو البستان أو الخان موقوفة على أهل العلم فلا شبهة في ملك الطبيعي للمنفعة، فلولي الوقف إجارة الأرض والخان مثلا وايصال الأجرة إلى الموقوف عليه بخلاف وقف المدرسة والقنطرة وأشباههما، فإنه ليس للموقوف عليه إلا ملك الانتفاع لا ملك المنفعة وإلا جاز نقلها إلى غيره،