والمواقف واستنطاقها، لمعرفة مدى تعاطف بعض المهاجرين مع قومهم المكيين، ومع يهود المدينة، ليمكن لنا تقييم مواقفهم، وفهم معاني كلماتهم، وإشاراتها ومراميها، بصورة أدق وأعمق، وليكون تصورنا أقرب إلى الواقع، وأكثر شمولية، وأتم وأوفى.
وفي إشارة خاطفة نذكر: بأننا قد تحدثنا عن أن المهاجرين كانوا يشكلون تكتلا مستقلا، له تطلعاته وطموحاته، وله فكره المتميز في آفاقه وفي خصائصه، ولا سيما في ما يرتبط بالسياسة والحكم والتخطيط له.
أما الأنصار، فلم يكونوا كذلك، بل كانوا فريقا آخر، يحرم من إهتمامات الحكام، ويستثني من مختلف الامتيازات، إلا حيث يحرج الحاكم، ولا يجد من ذلك بدا ولا مناصا. وقد روي عن الخليفة الثاني، عمر بن الخطاب قوله:
أوصى الخليفة بعدي بالمهاجرين الأولين: ان يعرف لهم حقهم، ويحفظ لهم حرمتهم. وأوصيه بالأنصار، الذين تبوؤا الدار والايمان من قبلهم: أن يقبل من محسنهم، ويتجاوز عن مسيئهم (1).
فيلاحظ: الفرق النوعي فيما يطلبه ثاني الخلفاء ممن يلي الامر بعده بالنسبة لهؤلاء، وبالنسبة لأولئك.
وعلى هذا الأساس، ومن منطلق هذه الفوارق جاء قول ابن ابن أبي ليلى: الناس على ثلاثة منازل: المهاجرون، والذين تبوؤا الدار والايمان، والذين جاؤوا من بعدهم: فاجهد: ألا تخرج من هذه المنازل.
وقال بعضهم: كن شمسا، فإن لم تستطع، فكن قمرا فإن لم