مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ١ - الصفحة ٢٩٢
انما يقصد بني تغلب وحدهم ولا علاقة له بالعرب، وهو يريد ان تخر جبابرة العرب ساجدة امام الصبي التغلبي المفطوم؟
وهو يريد ان يملأ البر والبحر لا ليقاتل به أعداء العرب، بل ليقاتل به العرب...
هذه هي الذهنية الجاهلية التي جاء الاسلام ليقضي عليها، واستطاع ذلك، وصهر العرب كلهم في أمة واحدة أرادها ان تحمل الاسلام إلى العالم كله مطبقة فيه مفهومه الجديد للحكم، لا ان يطبق على الشعوب حكم القياصرة والأكاسرة نفسه، وان يحل محل ذلك الحكم بكل شروره ومفاسده...
فما ذا كانت نتيجة الحكم الذي يسميه من يسميه بالحكم العربي ويشيدون بتعصبه للعرب وحدهم؟...
كانت النتيجة ان هذا الحكم عاد بالعرب إلى جاهليتهم الأولى من إثارة النعرات القبلية وتحريش القبائل بعضها ببعض لتنشغل بصراعاتها فيما بينها عن التبصر فيما يمارسه الحكم من اضطهاد وبما يتحكم فيه من فساد، وقد نجح الحكم في ذلك إلى أبعد الحدود.
لقد كان يصنف الناس إلى قبائل فيقدم أحدها ويغدق عليها نعمه ليثير احقاد القبيلة الأخرى لتنسى كل شئ ولا تفكر الا كيف تتقرب من الحكم لتغيظ القبيلة المنافسة.
وقد استعمل الحكم في ذلك مختلف الوسائل فكان يحرش بين رؤساء القبائل ويحرش بين شعراء القبائل، فيثير بذلك الفتن بين القبائل وتعود إلى ماضيها الجاهلي البغيض.
وكان الحكام يستغلون التقاء وفود القبائل في مجالسهم فيحرضونها بعضها على بعض، ويدعون خطباء كل قبيلة إلى التفاخر والتباهي حين تفد إليهم وفودهم. لذلك كانت كل قبيلة تحرص على أن يكون في وفدها من يجيد المقارعة والمفاخرة.
فقد التقى وفد نزار ووفد اليمن في مجلس معاوية فما زال بهم حتى قام خطباء نزار وذهبوا في خطبهم في التفاخر كل مذهب فقام صبرة بن شيمان سيد الأزد واختصر الامر بان قال: (انا حي فعال ولسنا حي مقال ونحن نبلغ بفعالنا أكثر من مقال غيرنا).
وانفض المجلس بعد ان بلغ الحكم غايته من إثارة الأحقاد بين القبيلتين الكبيرتين.
وفي يوم آخر كانت عنده مجموعة من رجال القبائل فأراد ان يثير المنافسة بينها جميعها دفعة واحدة فقال:
إذا جاءت بنو هاشم بقديمها وحديثها، وجاءت بنو أمية بأحلامها وسياستها وبنو أسد بن عبد العزى برفادتها ودياتها، وبنو عبد الدار بحجابها ولوائها وبنو مخزوم بافعالها وأموالها، وبنو تيم بصديقها وجوادها وبنو عدي بفاروقها ومتفكرها وبنو سهم بأرائها ودهائها، وبنو جمح بشرفها وبنو عامر بن لؤي بفارسها وقريعها، فمن ذا يجلي في مضمارها ويجري إلى غايتها؟...
ولم يكن شئ أكثر تحريشا بين القبائل وإثارة أحقادها ودعوتها إلى التفاخر والتنابذ أكثر من هذا القول ينطق به رأس الحكم...
وكذلك فعل عبد الملك بن مروان حين دخل عليه عياش بن الزبرقان وعنده روح بن زنباع فقال عبد الملك: يا عياش، أ ما ترى هذا اليماني يفخر بملوك اليمن؟...
وكان هذا القول كافيا لان يثير ما اثار في القبيلتين.
وكذلك فعل هشام بن عبد الملك حين حرش بين الأبرش الكلبي وخالد بن صفوان.
وفيما ذكر في هذا الموضوع ان معاوية وابنه يزيد بذلوا لقضاعة أموالا جسيمة لتنتفي من اليمن وتنتسب إلى معد فاستجاب نفر من رؤسائها لذلك، ولكن آخرين رفضوا هذا الانتساب وقاموا بمظاهرة صاحبة كان رجالها يرتجزون وهم يقتحمون المسجد:
يا أيها الداعي ادعنا وبشر * وكن قضاعيا ولا تنزر نحن بنو الشيخ الهجان الأزهر * قضاعة بن مالك بن حمير النسب المعروف غير المنكر * من قال قولا غير ذا يبصر وهكذا وقعت الفتنة في القبيلة الواحدة، ثم امتدت إلى أوسع من ذلك، بين القبيلتين، ثم إلى العبث بأحاديث الرسول فوضعت نزار حديثا ينسب فيه الرسول قضاعة إلى معد، بل يجعله بكر ولده ووضع أهل اليمن أحاديث تنقض هذا القول وتؤيد نسبة قضاعة إلى حمير (1).
أرأيت كيف نجحت اللعبة وبما ذا انشغل الشعب؟...
وهناك قصيدة الوليد بن يزيد التي قالها في تحدي اليمن، مما أثار الفتنة بين النزاريين واليمنيين... وهذا الذي نذكره غيض من فيض، وليس هو كل ما جرى، بل هو نقطة من بحر ما جرى حتى لقد أدى الامر إلى أن تكون النزاعات القبلية هي شغل الناس الشاغل اليومي، ولعل ما يصور الامر على حقيقته ما رواه الجاحظ في (البيان والتبيان) من أنه: ما كان رجلان من قبيلتين يلتقيان حتى يتذكرا أيام قبيلتيهما في الجاهلية ويتفاخرا. وهذا ما رمت اليه دولة (القومية العربية) من أشغال الناس عنها بنزاعاتهم. القتال الدموي على أن الامر تعدى التشاحن باللسان واستثارة الضغائن في النفوس، إلى القتال الدموي بين القبائل، وهو النتيجة الطبيعية لشحن العقول بكل ما شحنت به، فرأينا مثلا الوقائع الدامية بين قبيلتي قيس وتغلب في بلاد الجزيرة. وبعد ان كان المسجد مكان تلاقي الناس على المحبة والوئام أصبح مكان تلاقيهم على البغضاء والقتال كهذا الذي جرى في مسجد البصرة بين مضر وربيعة، وبعد ان كان الهتاف فيه: حي على الفلاح، صار يا لتميم... واقتحم بنو تميم في احدى المرات مسجد البصرة على مسعود بن عمر وأنزلوه عن المنبر وقتلوه.
وعمت الفتن القبلية جميع الارجاء وحملها ولاة دولة (القومية العربية) معهم إلى ما تولوه من بلاد خارج الأرض العربية، لمن نزلها هناك من القبائل

(1) ليس هذا الحادث وحده الذي وضعت فيه الأحاديث النوبية، فان أحد كبار رواة الحديث المشهورين جعل الأحاديث الرسول طرفا في النزاع القبلي، فأخذ يروي: الايمان يمان، آل لخم وجذام صلوات الله عليه جذاب يقاتلون الكفار على رؤوس الشعاف وينصرون الله ورسوله (الانباه ص 104)
(٢٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 287 288 289 290 291 292 293 294 295 296 297 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة - آتش حيدر علي فيضي - آصف الدولة - إبراهيم شرارة 5
2 إبراهيم العلوي بن حسين - إبراهيم مجتهد - أبو الحسن شمس آبادي - أبو الفضل الطهراني - أحمد القزويني بن السيد حميد 10
3 أحمد آل كاشف الغطاء - السيد أحمد الخونساري - أبو العلاء المعري 12
4 أحمد بن منير الطرابلسي 15
5 إسماعيل الصفوي 18
6 أفضل الدين الكاشاني 19
7 أسامة بن منقذ - انشاء الله خان - أنيس 21
8 باقر كاشف الغطاء - باقر أمين الورد - باقر سماكة بن الشيخ محمد - باقر عبد الغني - بدران المزيدي 22
9 البرسيين - بزرك أبو الحسن علوي 23
10 تقي الشيخ راضي - توفيق الفكيكي - جابر الشكري بن عزيز - جرأت - جعفر الخليلي 24
11 جعفر همدر 25
12 جواد علوش - جون 28
13 حبيب بن محمد - حسن علي نجابت - حسين الخادمي - ابن سينا 30
14 حسين القزويني 35
15 حسين معتوق - أبو نواس الحسن بن هاني 36
16 حسن البحراني 40
17 الحسين بن نما الحلي 41
18 حيدر الآملي 42
19 حيدري - خضر المهراني - خضر الطائي - الخطاطون في العهد الصفوي 43
20 الخليل الفراهيدي 46
21 خليل مغنية 47
22 خليل ياسين 48
23 دبير - دبيس المزيدي - دعبل الخزاعي 50
24 رجل من بني ليث - ذو فقار الدولة - راضي آل ياسين 51
25 رضي ذو النوري - راغب حرب - رحيم آرباب - زاير البرسي - سبط الحسن الجايسي - سعد صالح 52
26 سعيد نفيسي - سكينة بگم - سليم حيدر 53
27 سليمان عبد الجبار - سودا - شاكر هادي شكر - شهدة - صادق شفق 56
28 صادق الفحام - صالح الشهرستاني - صدر الدين الصدر 58
29 صدر الدين شرف الدين - صدر الدين الدهلوي - صفي 59
30 الضحاك المشرفي - ضياء الدين الخالصي - ضياء الدين العراقي 60
31 طاهر بن يحيى - طه باقر - الطفيل - طلائع بن رزيك 61
32 ظالم بن عمرو أبو الأسود الدؤلي 62
33 ظالم بن شراق - عابس الشاكري - العباسيون 64
34 عارف الحر 79
35 عباس اقبال 80
36 عباس أبو الحسن 81
37 عباس القمي - عباس الشيرازي - عباس القرشي 82
38 عباس الهمداني 83
39 عبد الحسين دست غيب - عبد الحسين الأميني - عبد الحسين الحلي 84
40 عبد الحسين نور الدين 85
41 عبد الرؤوف الأمين 86
42 عبد الرضا صادق 89
43 عبد الرضا المطبعي - عبد العزيز بن البراج 91
44 عبد الصاحب الحكيم - عبد الكريم الخليل 97
45 عبد الكريم بن طاووس - عبد الكريم الهاشمي - عبد الله الجزائري 100
46 عبد الله التستري - عبد الله الشيرازي - عبد الله الكلبي - عبد الله الطائي 101
47 عبد الله وعبد الرحمن الغفاريان - عبد الله أحمديه 102
48 عبد الله الشيرازي - عبد الله الصائغ 103
49 عبد الله بن سلمة - عبيد الله الكوفي - عبد المطلب الحلي 106
50 عبد المطلب الأمين 107
51 عبد المهدي مطر 112
52 عبد الله الجعفي - علي إبراهيم 115
53 علي رضا عباسي 117
54 علي أكبر دهخدا 119
55 علي أكبر نواب - علي الأنصاري الشيرازي - سيف الدولة علي بن حمدان 121
56 علي بن عبد الله بن العباس - علي البحراني - علي النوري 124
57 علي آل شبانة - علي البهبهاني - علي الشيرازي 125
58 علي بن الحسن شميم الحلي 126
59 علي بن حمدون - علي المراغي - علي الهمذاني 127
60 علي الميبدي - علي الخياباني - علي الأبزري - علي نياز - عطية الكوفي - عمرو الأنصاري - عمر الصيداوي - غالب 128
61 غلام رضا سرخي - فاضل الجمالي 129
62 فؤاد عباس 148
63 فتى من أهل الكوفة - الفضل بن جعفر - الفضل بن الزبير الكوفي 149
64 القاسم بن معية - القاسم بن مظاهر - قيس النابغة الجعدي 154
65 قيس النجاشي - كليب الجرمي - الكميت 155
66 لطف الله العاملي 160
67 لطف الله البحراني - ماجد الصادقي - عضد الدين المبارك الأسدي 162
68 مجيد العطار 163
69 محمد بن أبي بكر الهمذاني - محسن جمال الدين - محسن الموسوي - محمد أبو نصر الفارابي 164
70 محمد أبو النديم 174
71 محمد بن إدريس الحلي 178
72 محمد باقر - محمد حسين الكازروني - محمد الحسيني - محمد المتخلص - محمد الشيرازي - محمد معصوم - محمد الكازروني الطبيب - محمد الدهدار الشيرازي - محمد نصير الدين 179
73 محمد مهدي حجاب الشيرازي - محمد بن يوسف الشيرازي - محمد بن الحسين الشيخ البهائي 180
74 محمد الغفاري كمال الملك 181
75 محمد باقر الدهلوي - محمد صادق بحر العلوم - محمد بهشتي 183
76 محمد تقي بهار 184
77 محمد الحجة - محمد جمال الهاشمي 185
78 محمد حرز الدين - محمد الخليلي 186
79 محمد حسن الحكيم 187
80 محمد أبو جعفر الطوسي 188
81 محمد تقي الآملي 199
82 محمد جواد باهنر - محمد حسين آزاد - محمد الطباطبائي - محمد رضا الشبيبي 200
83 محمد رضا القمي - محمد شريف خان - محمد مفتح - محمد بن الأبار 204
84 محمد الشويكي 205
85 محمد شرارة 206
86 محمد حسين الشهرستاني 210
87 محمد صادق نشأت - محمد رضا شرف الدين 211
88 محمد آل شبانة - محمد صدوقي 212
89 محمد الأردوبادي - محمد علي بري - محمد الشيباني 213
90 محمد علي خاتون - محمد الصاحبي - محمد الجزائري - محمد المدرسي 218
91 محمد المعصومي - محمد بن طباطبا - محمد جواد - محمد ناصر 219
92 محمد علي اليعقوبي 221
93 محمد بن عمر الكشي - محمد قسام - محمد قطب شاه 222
94 محمد قلي قطب شاه - دول الهند الشيعية - محمد كال شعيب 223
95 محمد المقدادي القمي 225
96 محمد بن المبارك الكرخي - محمد نصير الدين الطوسي 228
97 محمد بن مكي الشهيد الأول - محمد الجبي 237
98 محمد هاشم الأشكوري 240
99 محمد بن هاني الأندلسي 241
100 محمد يوسف مقلد 243
101 محمد بن المبارك الكرخي 244
102 محمد مهدي البصير 245
103 محمود بن الياس الشيرازي - محمود الحبوبي 246
104 محمود الحمصي 249
105 محمود الشاهرودي - محمود الطالقاني - محمود بن مسعود الشيرازي - محيي الدين شمس الدين 250
106 مرتضى مطهري - مزيد المزيدي - مصطفى جواد 252
107 معاذ بن مسلم الهراء - المقداد السيوري - مهيار الديلمي 253
108 موسى الزين شرارة 268
109 موسى سيار الشيرازي - مير أمين - مير حسن - مير آبادي 270
110 ناسخ - ناصر الدين الشيخ راشد - نصر الخبز أرزي 271
111 نصير الدين ناصر العلوكي 272
112 ناصيف النصار 274
113 نصر بن علي الحلي - نصير الدين المنازي - نظير - نواب صفوي 280
114 النوار ابنة مالك - هادي النحوي - هادي كمال الدين - هاشم معروف الحسني 283
115 هبة الله بن علي - ابن الشجري 284
116 ورام الحلي - يحيى القرشي - يزدن التركي 285
117 يزيد بن قيس - يزيد بن زياد الكندي - يزيد بن مفرغ 286
118 يحيى بن البطريق 289
119 يعقوب بن داود 290
120 يوسف بن المطهر - يوسف رجيب - يونس الأردبيلي - الأمويون والإسلام والعروبة 291
121 الشيعة يحمون العالم الإسلامي 296
122 الحجاج بن يوسف 299
123 كلمة الختام 301