الهدامة في إيران سواء بأحاديثه أو بمطبوعاته، ووصلت اخباره إلى النجف، فقرر المترجم العودة إلى إيران لمناوأة كسروي والقضاء عليه فاعتقل وأودع السجن، ثم اطلق سراحه فدخل كلية الشريعة، ولكنه لم يلبث أن تركها عائدا إلى النجف بعد أن كان قد دبر اغتيال رئيس الوزراء حسين امامي.
ولبث في النجف مدة يدرس على علمائها ثم عاد إلى إيران.
ويبدو ان دعوة كسروي الالحادية هي التي أنبتت في ذهنه وجوب ايجاد تنظيم اسلامي واع يرتكز على جماعات متكاتفة تقاوم الدعوات الهدامة وتدعو إلى الاسلام وتحارب الالحاد.
فاتصل أول الأمر بأحمد كسروي والتقى به في عدة جلسات يناقشه ويحاوره فلم يزدد كسروي الا عنادا واسترسالا في دعايته وبثها في الناس. فصمم المترجم على القضاء عليه، واستطاع الحصول على ثلاثمائة تومان من أحد المؤمنين فاشترى بها مسدسا وترصد لكسروي في أحد المنعطفات حتى إذا مر اطلق عليه النار ولكن الرصاصة أصابت رجله، ولما رأى المترجم أن كسروي لم يقتل انهال ضربا بالمسدس على رأسه ووجهه فتجمع عليهما الناس وخلصوه منه، فقبض على نواب صفوي ونقل كسروي إلى المستشفى. وصدف ان زار وفد حكومي إيراني بعض العلماء في النجف الأشرف فتوسطوا لاطلاق صفوي فنجحت الوساطة وأطلق.
ومما يذكر أنه قبل أن يتطوع له متطوع بثمن المسدس لم يكن يملك هذا الثمن، ولكنه كان مصمما على اغتيال كسروي فاستطاع ايجاد سيف و ترصد الكسروي ثلاثة أيام ولكن صدف أن مرض كسروي، فكان بعد ذلك ان اشترى المسدس.
ويقول السيد اللواساني الذي كان عضوا في منظمة فدائيان اسلام في حديث له لرسالة الثورة الاسلامية نشرته في العدد السادس سنة 1402 (1982)، و بعض معلوماتنا في هذه الترجمة تستند إلى ذلك الحديث، يقول السيد اللواساني بعد أن ذكر الوقائع المتقدمة (من هنا بدأ هذا التنظيم) ثم ينقل عن لسان صفوي: (لقد فكرت عندما أصدرت أول منشور فتبادر إلى ذهني اسم (فدائيان اسلام) أي - فدائيو الإسلام - وقد كنت آنذاك وحيدا فريدا، ولكن بعد ذلك التحق بي الاخوة الراغبون المؤمنون الثوريون وابدوا استعدادهم للتعاون معي في هذا المجال).
وكان أول عمل قام به التنظيم أن نجح في اغتيال احمد كسروي، واهتدت السلطة إلى الفاعلين فاعتقلت (امامي) المنفذ للاغتيال ورفاقا له وسجنتهم تمهيدا لمحاكمتهم والحكم عليهم، وصدف ان الشاه محمد رضا ارسل وفدا إلى النجف الأشرف ليعزي الحوزة العلمية بوفاة السيد أبو الحسن الإصفهاني، فاسرع صفوي للاتصال بالسيد حسين القمي الذي كان شبه منفي في العراق ليحمل العلماء على التوسط لاطلاق المعتقلين ونجحت الوساطة فأطلقوا وساعد على اطلاقهم ان الشعب الإيراني كان قد ابدى ضروب الابتهاج بقتل احمد كسروي وابدى تضامنه مع منفذي هذا القتل. فرأت السلطات ان في اطلاقهم تقربا بعلماء النجف، وارضاء لعواطف الشعب.
ويبدو الغموض فيما يذكره السيد اللواساني هنا: إذ يقول: (وكان الشهيد نواب صفوي في تلك الفترة في النجف الأشرف سيدا شابا عرف بين الناس بقاتل كسروي، وكانوا يعظمونه ويجلونه ويعتزون بصحبته ورفقته) في حين أنه لم يذكر من قبل أن صفوي انتقل إلى النجف بعد قتل كسروي، وهنا موضع الغموض، فهل تم القتل والمترجم في طهران ثم انتقل اثر ذلك إلى النجف، أم تم القتل وصفوي في النجف، جاءها بعد ترتيب امر الاغتيال.
وفي سنة 1953 م. وكان أمر التنظيم قد استقر وانتشرت دعوته وعمت شهرته وبدأ يدعو لمبادئه الاسلامية وينشط في مختلف ميادين العمل ويتصل بالدعوات خارج إيران ويعقد معها الصلات، في هذه السنة زار نواب صفوي البلاد العربية لحضور مؤتمر القدس في مدينة القدس وزار سوريا كما زار مصر بدعوة من الإخوان المسلمين، وكانت الأمور قد تأزمت بين الاخوان وحكومة الثورة وأوشك الانفجار بينهما ان يقع، وجاء يوم 12 كانون الثاني 1954 فاحتشد الاخوان وطلابهم في حرم جامعة القاهرة للاحتفال بذكرى بعض ضحاياهم، كما حضرت جماعات من خصومهم، واقبل جمهور من طلاب الاخوان على الاجتماع حاملين نواب صفوي على الأكتاف، ثم أوصلوه إلى المنصة حيث خطب في الجماهير وكان موضوع فلسطين أهم ما في خطابه، فكان جمهور الاخوان يقابل فقرات خطابه بهتافهم التقليدي (الله أكبر ولله الحمد) فيرد عليهم خصومهم بهتاف (الله أكبر والعزة لمصر) فهاجمهم جمهور الاخوان واشتبكوا معهم وعمت الفوضى وكان هذا الحادث مفتاح الواقعة التي وقعت بين حكومة الثورة والإخوان المسلمين، إذ قبض على زعمائهم وشرد رجالهم، وأصبح نواب صفوي ضائعا في القاهرة إلى أن تسنى له الخروج منها.
وكان قبل وصوله إلى مصر قد لقي كل الحفاوة في سوريا وفلسطين أما أهداف (فدائيان اسلام) فقد عبر عنها نواب صفوي نفسه في حديث له مع مندوب وكالة (اسوشيتد برس) الأمريكية حين سأله المندوب عن الهدف الرئيسي للحركة. فأجابه قائلا: اننا نعتقد بوجوب نشر العقيدة الاسلامية الصحيحة في العالم كله ونعتقد بوجوب تطبيق شريعة الاسلام الكاملة في جميع الدول الاسلامية اننا نعتقد أن التعاليم الاسلامية الصحيحة هي وحدها يمكن أن تنقذ البشرية من الحروب والجرائم وفي سبيل هذه العقيدة بدأنا العمل لكي نجعل من إيران قدوة للعالم المتمدن).
وسأله مندوب الوكالة عن مدى استعداده للتضحية في سبيل هذا الهدف، فاجابه (اعتقد انا واخواني ان ارخص شئ عندنا في الحياة هي أرواحنا ونحن نعتقد أننا لا يمكن ان نخدم الاسلام إلا باعطاء أرواحنا ودمائنا في طريق هذا الهدف المقدس. ان (فدائيوا اسلام) هم أناس أقوياء وشجعان لا يخافون أي شئ في طريق الهدف المقدس الذي يحملونه واننا جميعا مستعدون للشهادة ونستقبلها بفارغ الصبر إذا كانت من اجل الله والأمة الاسلامية. انكم في المستقبل سوف تعرفون صحة هذا الكلام) انتهى.
ويمكن اعتبار نواب صفوي أول من كتب برنامجا مفصلا ومتكاملا عن الحكومة الاسلامية وكان عمره إذ ذاك ستة وعشرين عاما. ويبدو من النصوص التي بين أيدينا ان التأسيس الفعلي للحركة كان سنة 1945 م ولم يكن في منهج صفوي الاستناد إلى الوسائل السلمية الكلامية في تحقيق أهداف حركته، بل كان يرى التوسل بكل وسيلة مهما كانت نارية عنيفة، ويعتقد أن اغتيال رموز النظام واحدا بعد واحد يوهن عزائم هذا النظام ويقضي في النهاية عليه. لذلك عمد إلى تدبير اغتيال (هجير) وزير البلاط