مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ١ - الصفحة ٢٧٦
كبار علماء الجبل كالسيد أبي الحسن جد آل الأمين والسيد فخر الدين العيناتي، هكذا أسماه المؤرخون ويبدو أنه جد آل فضل الله والشيخ محمد الحانيني والشيخ الخاتوني والسيد حيدر نور الدين وتداولوا مع ناصيف النصار الأمر ويظهر أنهم رأوا أن يتظاهروا بالشدة وأن يتعاملوا باللين، فأضرموا في الليل النيران في الجبل المطل على معسكر أبي الذهب في الحولة، وامتدت النيران من هونين إلى ديشوم، وأرادوا باضرامها التظاهر بكثافة الجموع المحتشدة. ثم أعقبوا ذلك بأن توجه ناصيف النصار وحده لا يصحبه إلا رجل واحد من بيت الحاج من قرية شحور إلى مخيم أبي الذهب، وتقدم ناصيف إلى " كاخية " أبي الذهب، وقال له: أنا ناصيف النصار، وهذا سيفي في عنقي ولا نريد حربا مع أبي الذهب، فخذني إليه.
فقال له الكاخية: ان الباشا يموت فاذهب فليس عليك بأس، فعاد ناصيف، ومات أبو الذهب، في ليلته تلك، وحنطت جثته وأرسلت إلى القاهرة ودفنت في المدرسة التي أنشأها تجاه الأزهر.
وكان العامليون حين علموا بتوجه أبي الذهب إليهم خافوا خوفا شديدا لضآلة قوتهم أمام قوى أبي الذهب، وتحسبوا لكل شر وبلاء. وليس أكثر دلالة على ذلك من أنهم أرخوا تلك السنة وهي سنة 1189 هجرية، بهذه الكلمات: (سم، هم، غم). كما أن أحد مؤرخيهم قال يصف الواقع:
" أبو الذهب تعب في سطوته جميع العجم والعرب، وما أحد إلا ونزل به الهم والكرب، وحل بالناس الويل والعطب، وكل يقول: الهرب ثم الهرب ما دام أبو الذهب لنا بالطلب ".
وقال الدكتور حسين سلمان سليمان:
شهدت سنوات الثلث الثاني من القرن الثامن عشر انقسام ولايات الشام العثمانية إلى حزبين، الأول برأسه عثمان باشا الصادق في دمشق ويضم باشاوات حلب وطرابلس وصيدا والقدس وبغداد والموصل، والثاني يرأسه ظاهر العمر في عكا ويسيطر على القسم الجنوبي من فلسطين حول عكا وصفد وطبرية وغزة (1)، وأتباعه مشايخ بلاد صفد عشائر جبل عامل، وأكثر قبائل الرحل ويؤيده علي بك الكبير بمماليكه في مصر. (2) وانعكس هذا الانقسام على أمراء الأسرة الشهابية في جبل الدروز، فبينما اعتمد الشيخ سعد الحوري وسيده الأمير يوسف الشهابي على عثمان باشا في مناهضة أمير جبل الدروز منصور الشهابي وإزاحته عن منصبه والحلول مكانه، كان موقف الأخير يتحدد إلى حد بعيد بالمساعدات التي كان يتلقاها من والي صيدا السابق محمد باشا العظم. ولما يكن أمير جبل الدروز يجرؤ على مقاومة العثمانيين، فقد اتبع الأساليب المألوفة في هذا المجال، أي التظاهر بمظهر المخلص لهم في حين كان يساعد في الخفاء عدوهم ظاهر العمر، (3) ومما ينبغي الإشارة إليه أن أحدا من زعماء حزب المتمردين (ظاهر العمر وعلي بك الكبير وناصيف النصار) تجرأ وأعلن استقلاله عن السلطان العثماني، رغم السلطة التي تمتع بها كل منهم في منطقة نفوذه، وإنما كانوا يعلنون العصيان العلني على ممثلي السلطة العثمانية في مناطقهم، بحجة الظلم والاضطهاد اللذين يتعرضون لهما من قبل هؤلاء، والسبب في امتناعهم عن إعلان العصيان على السلطان العثماني، أنه مهما بلغ ضعفه السياسي والعسكري، كان لا يزال زعيم المسلمين، وأن عصيانه من شأنه أن يؤلب الرأي العام الإسلامي ضد هؤلاء المتمردين. (4) سقوط دمشق وانضمت القوات العاملية وجنود أبناء ضاهر إلى الحملة المملوكية التي أرسلها علي بك الكبير لاحتلال بلاد الشام، وفي 25 نيسان (أبريل) عام 1771 قرر العامليون غزو مدينة صيدا ليلا، وعلم الوالي درويش عثمان باشا بقرارهم هذا عن طريق الشيخ قبلان، حاكم مدينة صور، الذي كان يقف على الحياد في الصراع الدائر على النفوذ في بلاد الشام. فاتخذ الباشا الاستعدادات اللازمة، فاستنفر قواته ووضعها على أبواب المدينة الثلاثة، ونظرا لانشغال والده وشقيقه بالاستعداد لصد القوات المصرية، استنجد بالأمير يوسف شهاب للمساعدة بالدفاع عن المدينة إذا تعرضت للهجوم المتوقع فحضر الأخير إلى صيدا ومعه بضع مئات من أنصاره، كان بإمكانه أن يزيد عددها عند الخطر، بالاستعانة بخمسة عشر ألف رجل من أتباع الشيخ علي جنبلاط. لم يترك الأمير يوسف الشهابي مدينة صيدا إلا بعد أن حضر عثمان باشا بقافلة الحج الشامي إلى دمشق (5).
وفي الخامس والعشرين من شهر أيار (مايو) 1771 أشيع في صيدا أن القوات المملوكية سوف تقوم بمهاجمة المدينة ليلا بمساعدة العامليين، وأظهر والي صيدا شجاعته، واستنفر قواته واستحضر المدافع ووضعها على التحصينات القديمة التي تشرف على الأرياف، وضاعف الحراسة على أبواب المدينة. وأشارت الوثائق الفرنسية المعاصرة بأن " كل هذه الاستعدادات لن تؤدي إلى أية نتيجة فعالة، ما لم يبادر الدروز إلى صد الهجوم المتوقع " (6).
واستعان درويش باشا والي صيدا بأتباع الأمير يوسف، لكن هؤلاء كانوا غير راغبين في مساعدته، لأن والده، عثمان باشا والي دمشق، أغار على مدينة بعلبك التي كان حاكمها أمير من آل الحرفوش من أنصار الأمير يوسف، وطالب الأخير بإصلاح الخطأ الذي ارتكب بحق حليفه. وأشارت الوثائق الفرنسية الصادرة عن صيدا في هذا الوقت إلى ذلك بقولها: " هذه المدينة (أي صيدا) ليست بعيدة تماما عن الخطر الذي يتهددها، إذا لم يبادر عثمان، باشا دمشق، إلى تحويل الاستياء العام الذي يسود جبل الدروز ".
وبعث عثمان باشا برسائل إلى الأمير يوسف، كان لها وقعها في إعادة الوئام بينهما، وفرحت المدينة بذلك، ورغم ذلك ظل الخوف والرعب

(1) أدوارد لكروي: أحمد باشا الجزار وأعماله في سوريا ولبنان وفلسطين، ترجمة جورج مسرة، ساو باولو، 1934، ص 430.
(2) محمد رفعت رمضان: علي الكبير القاهرة، 1950، ص 161.
(3) فرنسوا فولني: سوريا ولبنان وفلسطين في القرن الثامن عشر، ترجمة حبيب السيوفي، جزءان، صيدا، 1948 - 1949، ج 1، ص 50.
(4) عبد الكريم رافق: بلاد الشام ومصر منذ الفتح العثماني إلى حملة نابليون بونابرت، دمشق، 1956، ص 306.
(5) 1771 / 2 / Seyde le 351 B 1035. E. A ملاحظة: تشير الأحرف الثلاثة الأولى (E. B. A) إلى وثائق وزارة الخارجية الفرنسية المحفوظة في دائرة الوثائق الوطنية في باريس، ويشير الرقم الذي يليها إلى رقم المجلد، ويليه اسم البلد التي أرسلت منه الوثائق إلى وزارة الخارجية الفرنسية، ويليه تاريخ الوثائق باليوم والشهر والسنة. وهذه الوثائق من أهم المصادر في كتابة تاريخ بلاد الشام في العصر الحديث. يراجع دراستنا لهذه الوثائق في:
" حول وثائق المحكمة الشرعية في طرابلس " مجلة تاريخ العرب والعالم " السنة الخامسة، عدد رقم 53، سنة 1984، ص 43 وما يليها، " لبنان في القرن الثامن عشر نزول في قناصل المخطوطات " صحيفة النهار، تاريخ 24 / 6 / 1979.
(6) 1771 / 5 / Seyde le 31, Lbid.
(٢٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة - آتش حيدر علي فيضي - آصف الدولة - إبراهيم شرارة 5
2 إبراهيم العلوي بن حسين - إبراهيم مجتهد - أبو الحسن شمس آبادي - أبو الفضل الطهراني - أحمد القزويني بن السيد حميد 10
3 أحمد آل كاشف الغطاء - السيد أحمد الخونساري - أبو العلاء المعري 12
4 أحمد بن منير الطرابلسي 15
5 إسماعيل الصفوي 18
6 أفضل الدين الكاشاني 19
7 أسامة بن منقذ - انشاء الله خان - أنيس 21
8 باقر كاشف الغطاء - باقر أمين الورد - باقر سماكة بن الشيخ محمد - باقر عبد الغني - بدران المزيدي 22
9 البرسيين - بزرك أبو الحسن علوي 23
10 تقي الشيخ راضي - توفيق الفكيكي - جابر الشكري بن عزيز - جرأت - جعفر الخليلي 24
11 جعفر همدر 25
12 جواد علوش - جون 28
13 حبيب بن محمد - حسن علي نجابت - حسين الخادمي - ابن سينا 30
14 حسين القزويني 35
15 حسين معتوق - أبو نواس الحسن بن هاني 36
16 حسن البحراني 40
17 الحسين بن نما الحلي 41
18 حيدر الآملي 42
19 حيدري - خضر المهراني - خضر الطائي - الخطاطون في العهد الصفوي 43
20 الخليل الفراهيدي 46
21 خليل مغنية 47
22 خليل ياسين 48
23 دبير - دبيس المزيدي - دعبل الخزاعي 50
24 رجل من بني ليث - ذو فقار الدولة - راضي آل ياسين 51
25 رضي ذو النوري - راغب حرب - رحيم آرباب - زاير البرسي - سبط الحسن الجايسي - سعد صالح 52
26 سعيد نفيسي - سكينة بگم - سليم حيدر 53
27 سليمان عبد الجبار - سودا - شاكر هادي شكر - شهدة - صادق شفق 56
28 صادق الفحام - صالح الشهرستاني - صدر الدين الصدر 58
29 صدر الدين شرف الدين - صدر الدين الدهلوي - صفي 59
30 الضحاك المشرفي - ضياء الدين الخالصي - ضياء الدين العراقي 60
31 طاهر بن يحيى - طه باقر - الطفيل - طلائع بن رزيك 61
32 ظالم بن عمرو أبو الأسود الدؤلي 62
33 ظالم بن شراق - عابس الشاكري - العباسيون 64
34 عارف الحر 79
35 عباس اقبال 80
36 عباس أبو الحسن 81
37 عباس القمي - عباس الشيرازي - عباس القرشي 82
38 عباس الهمداني 83
39 عبد الحسين دست غيب - عبد الحسين الأميني - عبد الحسين الحلي 84
40 عبد الحسين نور الدين 85
41 عبد الرؤوف الأمين 86
42 عبد الرضا صادق 89
43 عبد الرضا المطبعي - عبد العزيز بن البراج 91
44 عبد الصاحب الحكيم - عبد الكريم الخليل 97
45 عبد الكريم بن طاووس - عبد الكريم الهاشمي - عبد الله الجزائري 100
46 عبد الله التستري - عبد الله الشيرازي - عبد الله الكلبي - عبد الله الطائي 101
47 عبد الله وعبد الرحمن الغفاريان - عبد الله أحمديه 102
48 عبد الله الشيرازي - عبد الله الصائغ 103
49 عبد الله بن سلمة - عبيد الله الكوفي - عبد المطلب الحلي 106
50 عبد المطلب الأمين 107
51 عبد المهدي مطر 112
52 عبد الله الجعفي - علي إبراهيم 115
53 علي رضا عباسي 117
54 علي أكبر دهخدا 119
55 علي أكبر نواب - علي الأنصاري الشيرازي - سيف الدولة علي بن حمدان 121
56 علي بن عبد الله بن العباس - علي البحراني - علي النوري 124
57 علي آل شبانة - علي البهبهاني - علي الشيرازي 125
58 علي بن الحسن شميم الحلي 126
59 علي بن حمدون - علي المراغي - علي الهمذاني 127
60 علي الميبدي - علي الخياباني - علي الأبزري - علي نياز - عطية الكوفي - عمرو الأنصاري - عمر الصيداوي - غالب 128
61 غلام رضا سرخي - فاضل الجمالي 129
62 فؤاد عباس 148
63 فتى من أهل الكوفة - الفضل بن جعفر - الفضل بن الزبير الكوفي 149
64 القاسم بن معية - القاسم بن مظاهر - قيس النابغة الجعدي 154
65 قيس النجاشي - كليب الجرمي - الكميت 155
66 لطف الله العاملي 160
67 لطف الله البحراني - ماجد الصادقي - عضد الدين المبارك الأسدي 162
68 مجيد العطار 163
69 محمد بن أبي بكر الهمذاني - محسن جمال الدين - محسن الموسوي - محمد أبو نصر الفارابي 164
70 محمد أبو النديم 174
71 محمد بن إدريس الحلي 178
72 محمد باقر - محمد حسين الكازروني - محمد الحسيني - محمد المتخلص - محمد الشيرازي - محمد معصوم - محمد الكازروني الطبيب - محمد الدهدار الشيرازي - محمد نصير الدين 179
73 محمد مهدي حجاب الشيرازي - محمد بن يوسف الشيرازي - محمد بن الحسين الشيخ البهائي 180
74 محمد الغفاري كمال الملك 181
75 محمد باقر الدهلوي - محمد صادق بحر العلوم - محمد بهشتي 183
76 محمد تقي بهار 184
77 محمد الحجة - محمد جمال الهاشمي 185
78 محمد حرز الدين - محمد الخليلي 186
79 محمد حسن الحكيم 187
80 محمد أبو جعفر الطوسي 188
81 محمد تقي الآملي 199
82 محمد جواد باهنر - محمد حسين آزاد - محمد الطباطبائي - محمد رضا الشبيبي 200
83 محمد رضا القمي - محمد شريف خان - محمد مفتح - محمد بن الأبار 204
84 محمد الشويكي 205
85 محمد شرارة 206
86 محمد حسين الشهرستاني 210
87 محمد صادق نشأت - محمد رضا شرف الدين 211
88 محمد آل شبانة - محمد صدوقي 212
89 محمد الأردوبادي - محمد علي بري - محمد الشيباني 213
90 محمد علي خاتون - محمد الصاحبي - محمد الجزائري - محمد المدرسي 218
91 محمد المعصومي - محمد بن طباطبا - محمد جواد - محمد ناصر 219
92 محمد علي اليعقوبي 221
93 محمد بن عمر الكشي - محمد قسام - محمد قطب شاه 222
94 محمد قلي قطب شاه - دول الهند الشيعية - محمد كال شعيب 223
95 محمد المقدادي القمي 225
96 محمد بن المبارك الكرخي - محمد نصير الدين الطوسي 228
97 محمد بن مكي الشهيد الأول - محمد الجبي 237
98 محمد هاشم الأشكوري 240
99 محمد بن هاني الأندلسي 241
100 محمد يوسف مقلد 243
101 محمد بن المبارك الكرخي 244
102 محمد مهدي البصير 245
103 محمود بن الياس الشيرازي - محمود الحبوبي 246
104 محمود الحمصي 249
105 محمود الشاهرودي - محمود الطالقاني - محمود بن مسعود الشيرازي - محيي الدين شمس الدين 250
106 مرتضى مطهري - مزيد المزيدي - مصطفى جواد 252
107 معاذ بن مسلم الهراء - المقداد السيوري - مهيار الديلمي 253
108 موسى الزين شرارة 268
109 موسى سيار الشيرازي - مير أمين - مير حسن - مير آبادي 270
110 ناسخ - ناصر الدين الشيخ راشد - نصر الخبز أرزي 271
111 نصير الدين ناصر العلوكي 272
112 ناصيف النصار 274
113 نصر بن علي الحلي - نصير الدين المنازي - نظير - نواب صفوي 280
114 النوار ابنة مالك - هادي النحوي - هادي كمال الدين - هاشم معروف الحسني 283
115 هبة الله بن علي - ابن الشجري 284
116 ورام الحلي - يحيى القرشي - يزدن التركي 285
117 يزيد بن قيس - يزيد بن زياد الكندي - يزيد بن مفرغ 286
118 يحيى بن البطريق 289
119 يعقوب بن داود 290
120 يوسف بن المطهر - يوسف رجيب - يونس الأردبيلي - الأمويون والإسلام والعروبة 291
121 الشيعة يحمون العالم الإسلامي 296
122 الحجاج بن يوسف 299
123 كلمة الختام 301