حتى زمان ابن داود الحلي (المولود سنة 647) فقد صرح في موارد بأن نسخة الرجال وفهرست الشيخ بخط المؤلف موجودة لديه. وليس لدينا من بعد اطلاع عن النسخة المصححة. ومن حيث إن العبارات المحرفة تشاهد بصورة قطعية في النسخ الحالية، ومن حيث إن مؤلفي الرجال المعروفين في الأدوار المتأخرة عن ابن داود مثل ميرزا محمد الأسترآبادي مؤلف " الرجال الكبير " (المتوفى سنة 1028 أو 1026) ومير مصطفى التفرشي مؤلف " نقد الرجال " (من علماء القرن الحادي عشر) يختلفون الواحد مع الآخر فيما نقل من المطالب، يمكننا بناء عليه الاطمئنان إلى أن أحدا منهم لم يصل إلى نسخة مصححة من هذين الكتابين وان نسخة ابن داود مفقودة الأثر.
فحيثما كانت نسخ الفهرست الموجودة لا تنطبق على ما نقله ابن داود من الكتاب المذكور، وجب بلا ترو تقديم نقل ابن داود واعتباره حجة، فالاعتقاد في صحته وتطابقه مع ما كتبه الشيخ أقوى وابعث على الرضا. ولا يفوتنا، أنه حيثما شوهد عدم التطابق بين ما نقله ابن داود وما نقله العلامة الحلي (معاصره وزميله في التتلمذ على أحمد بن طاووس) لا نستطيع بصفة دائمة أن نقدم كلام ابن داود، لأن العلامة أيضا كانت لديه نسخة مصححة من الرجال وفهرست الشيخ. وطبعي الا ينتفى الاشتباه بالكلية عن ابن داود في قراءة النسخة.
كيفية النسخ المطبوعة:
طبع متن الفهرست بنفس الترتيب الأصلي لأول مرة سنة 1356 في المطبعة الحيدرية بالنجف مع مقدمة وتصحيح وهامش بمعرفة (السيد محمد صادق بحر العلوم) وتجدد طبع النسخة نفسها بنفس الخصوصيات مرة أخرى سنة 1380. وتقع هذه الطبعة في 252 صفحة من القطع " الوزيري " [*] وبها فهرست للأسماء وأرقام أسماء الرجال وهي كاملة التنقيط نسبيا والطباعة على وجه العموم ممتازة ولافتة للنظر. وقبل هذا التاريخ بسنوات يعني سنة 1271 الهجرية (= 1853 الميلادية) رتبت نسخة من الفهرست حسب الحرف الأول والثاني والثالث من الاسم واسم الأب واسم الجد وصححت وطبعت في الهند بمعرفة " أ. سبرنجر " و " مولى عبد الحق ". والعلامة الكبير الشيخ آقا بزرك الطهراني (مؤلف كتاب الذريعة) رأى هذه النسخة ونقل خصوصياتها في الذريعة (ج 16 / 384) والسيد محمد صادق بحر العلوم وصفها في مقدمة رجال الطوسي (ص 69) بالنقص والامتلاء بالغلط ورداءة الطباعة.
والمصحح المذكور ينقل في مقدمة كتاب الرجال عن قول العلامة الطهراني وصفا لطبعة أخرى من الفهرست أنه قال ما خلاصته: " منذ عدة سنوات (في حدود سنة 1315) في طهران، رأيت نسخة من الفهرست في مكتبة العالم الكبير الحاج ميرزا أبو الفضل الطهراني. وهذه النسخة طبعت في " ليدن ".
وهي من حيث الاتقان وجودة الطباعة رائعة بالغة القيمة. وبعد أن تكبدنا مشقة ترجمة ما كتب باللاتينية في آخرها من شرح، اتضح أن الناشر بذل جهودا كبيرة في مقابلة النسخ والدقة في التصحيح. والآن، فإن النسخة التي استنسختها بخطي في ذلك التاريخ لا تزال موجودة بنفس الخط والورق ".
ومما يبعث على العجب، أن العلامة الطهراني مع اعجابه بهذه النسخة لم يأت لها بذكر أصلا في الذريعة في ذيل اسم " الفهرست " واكتفى بما قرره عن طبعة الهند. أ لا يرقى الظن بهذه القرينة، وقرينة أن أحدا آخر لم ير نسخة هكذا من كتاب الفهرست أو تكن لديه إشارة عنها، إلى أن العلامة المذكور قد اشتبه عليه الأمر وظن طبعة الهند طبعة ليدن، أو أنه أثناء كتابة الوصف (الذي ذكرنا خلاصته) يكون قد نسي خصوصياتها نظرا لطول المدة واختلط الأمر عليه؟!
اعتبار الفهرست والانتقادات الموجهة إليه:
حتى نقدر ما لكتب الشيخ الطوسي من اعتبار، يجمل بنا قبل تناول الكتب بالدرس أن ننظر إلى ما يحتازه مؤلفه من اعتبار. لقد كانت عظمة مقام الشيخ العلمي ورفعة شانه بحيث لا يطرأ على الذهن سوى التسليم بعظمة كتبه ورفعة مكانتها. إن كتبه في كل قسم كانت فتحا لطريق جديد وابتكارا لأسلوب وعرضا لقدرة علمية فائقة يندر وجود سابقة لها.
فلا يخفى على أحد أن كتابيه " التهذيب " و " الاستبصار " في عداد كتب الحديث الأربعة المشهورة وكتبه الفهرست والرجال واختيار الرجال ثلاثة من الأصول الأربعة العمدة في علم الرجال. وكتبه الأخرى، كل في قسمه الخاص من تفسير وكلام وأصول وفقه ممتاز مشخص على خط من الابتكار.
وعليه، فإن الخدش في آرائه ونظراته في فن الرجال أمر صعب وبعيد عن الاحتياط. وبالفعل كان كتاباه الفهرست والرجال فيما بعده من الأدوار مورد اهتمام وعناية العلماء الكبار المشهورين أمثال المحقق والعلامة وابن طاووس و الشهيد وغيرهم. وعلى حد قول العلامة الكلباسي في سماء المقال (ص 52):
" لقد نظر إلى مشهوري العلماء والتواثيق والتضعيفات وغيرها من نظراته للرجال بعين الاعتبار والاتقان.
وعلى الرغم من هذا كله، لا نستطيع أن نصف كل أقوال الشيخ الكبير الطوسي في الرجال بالصحة، ونغمض العين عن وجود بعض الاشتباهات في كتبه، وان وجب الاذعان لكون هذه الاشتباهات نادرة وتعتبر بطبيعة الحال كلا شئ بجانب نظرات شيخ الطائفة الدقيقة الصائبة.
ولقد أشار المحقق الرجالي في أيامنا هذه الشيخ محمد تقي الشوشتري في عموم كتابه التحليلي الجامع " قاموس الرجال " إلى موارد أخطاء الشيخ (قدس سره) الواقعة في كتابيه " الفهرست " و " الرجال " ومن جملة ذلك ما عرضه في الفصل العشرين من مقدمات الكتاب المذكور من نموذج لها في ترجمة " أبي غالب الزراري ".
وبناء على ما أظهره المحقق المذكور، فان الموجب الأصلي لاشتباهات الشيخ هو أنه نقل في موارد كثيرة عن " فهرست ابن النديم " وهو غير بالغ في دقته وليس محلا للاعتماد. ومن ثم كلما وجد اختلاف بين نظر الشيخ والنجاشي في مورد ما، فإن كلام النجاشي هو المقدم، لأنه لم ينقل في كتابه كله عن الكتاب المذكور الا مرة واحدة. (1) ومع هذا، لا نستطيع أن نحكم بصورة دائمة بتقديم كلام النجاشي على الشيخ في موارد الاختلاف بينهما، إذ أن الحكم في غالب الموارد هو القرائن والإمارات الخارجية.