وواضح جدا، أن هذا القبيل من الأخطاء ليس مما يشتبه على شخص كالكشي أو كالشيخ الطوسي أو أنها تصدر عنه. ولا يرقى الظن بنسبتها إلا إلى المستنسخين والكتاب... كما يبعد عن التصديق أن بعضا من الأخطاء الأخرى الموجودة في هذا الكتاب من قبيل الاشتباه في تاريخ وفاة حماد بن عيسى، وتعيين سني حياة معاوية بن عمار، وتحريف جبرئيل بن أحمد الفاريابي إلى جبرئيل بن محمد الفاريابي الموجود في أول الكتاب، وأمثالها مما أشار إليه العلامة الكلباسي في سماء المقال: تنسب إلى الشيخ الطوسي.
وبناء على ما قلناه، يمكن الحكم بان رأي " مولى عناية الله القهباني " في اعتبار هذه الأخطاء من الشيخ، واعتقاده أن أصل كتاب الكشي كان مبرأ وخاليا منها، خلاف التحقيق تماما وادعاء بلا دليل.
3 - اسم أصل كتاب الكشي:
لم يذكر اسم كتاب الكشي في ذيل حالاته بأغلب كتب القدامى مثل فهرست الشيخ وفهرست النجاشي، واقتصرت على أصل وجوده.
فالشيخ الطوسي في " الفهرست " تحت عنوان " أبو عمرو الكشي " يقول:
" ثقة بصير بالأخبار وبالرجال، حسن الاعتقاد، له كتاب الرجال... " (1) وعبارة النجاشي في هذا الصدد أيضا لا تزيد الأمر ايضاحا: " كان ثقة عينا، وروى عن الضعفاء كثيرا وصحب العياشي وأخذ عنه وتخرج عليه في داره التي كانت مرتعا للشيعة وأهل العلم، له كتاب الرجال ". (2) وعلى قدر اطلاعنا، فان أول من ذكر اسما لكتاب الكشي هو ابن شهرآشوب (المتوفى سنة 588) صاحب كتاب " معالم العلماء ". ففي هذا الكتاب الذي يعتبر ذيلا وتتمة لفهرست الشيخ، ذكر كتاب الكشي باسم " معرفة الناقلين عن الأئمة الصادقين " (3) وبقرينة التقارب بينه وبين الكشي والشيخ، لا يبقى مجال للشك في أن قوله مستند إلى قرائن قطعية، وان اسم كتاب الكشي هو هذا الذي ذكره.
والشيخ الطوسي في الفهرست في ذيل عنوان " أحمد بن داود بن سعيد " بعد أن نسب إليه كتبا متعددة، يقول: " ذكره الكشي في كتابه في معرفة الرجال ". واستند مؤلف سماء المقال إلى هذا العبارة، وظن أن اسم كتاب الكشي " معرفة الرجال " ونسب هذا الظن إلى الشيخ أيضا، على حين أن هذه العبارة تقتصر على بيان أن كتاب الكشي كتب في معرفة الرجال، وليس فيها أي ذكر لاسمه. ويحتمل أن تكون هذه العبارة في النسخة التي لدى الكلباسي على هذا النحو: " ذكره الكشي في كتابه معرفة الرجال " (بحذف كلمة في) ومن ثم وقع صاحبنا في مثل هذا الزعم.
وفي النسخة المطبوعة من كتاب " اختيار الرجال " (طبع بمباي سنة 1317) أيضا في آخر الجزء الخامس، ورد ذكر كتاب الكشي على هذا النحو:
" قد تم الجزء الخامس من كتاب أبي عمرو الكشي في معرفة الرجال... " والملاحظ في هذه العبارة أيضا خلوها من أي تصريح بأن اسم الكتاب " معرفة الرجال ". (4) والعلامة المجلسي (5) وكذلك من معاصرينا مؤلف قاموس الرجال، (6) قالا أن اسم كتاب الكشي معرفة الرجال " (7) ولكن بالنظر لما قدمناه، فإن هذا القول يعوزه الدليل (8) ولا يجوز العدول عما ارتاه ابن شهرآشوب، لما يتمتع به رأيه من رجحان.
ويمكننا على ضوء ما قلناه، أن ندرك أن اسم " معرفة اخبار الرجال " أيضا المسمى به كتاب الكشي في أول النسخة المطبوعة في بمباي وآخرها، لا وجه له ولا دليل. فعلاوة على أن الكتاب الموجود المطبوع، تأليف الشيخ الطوسي وموسوم ب " اختيار الرجال " لا " معرفة اخبار الرجال "، فإنه لا يوجد في المدارك أو المآخذ محل الاطمئنان، أية إشارة أصلا إلى مثل هذا الاسم لكتاب الكشي. وكأن الذي باشر الطباعة أو أحد المستنسخين استفاد من تركيب عبارتي " كتاب أبي عمرو الكشي في اخبار الرجال " و " كتاب أبي عمرو الكشي في معرفة الرجال " اللتين ذكرتا في بعض كتب الرجال أثناء ذكر كتاب الكشي وزعم أنها اسم الكتاب.
4 - طريقة انتخاب الشيخ وتلخيصه:
ان الأخطاء والزوائد كما أشرنا دائما، هي أخطاء وزوائد كتاب الكشي، الذي نهض الشيخ الطوسي بتهذيبه وتلخيصه حتى أخرج كتاب " اختيار الرجال " إلى الوجود. وبقي علينا أن نرى من أي قبيل هذه الأخطاء والزوائد، وكيف تصرف الشيخ بالنسبة لها.
يزعم البعض (9) ان كتاب الكشي مشتمل أصلا على رجال عامة وخاصة، وأن الشيخ اسقط العامة وخصص كتابه بالاختيار لتوجيه رجال الشيعة. الا أنه بالنظر إلى أن النسخة الموجودة من الاختيار تشتمل على أسماء جمع من رجال العامة أيضا، يتضح خطأ هذا الزعم. والمحقق أن كتاب الكشي أيضا كغيره من كتب الرجال العديدة من قبيل فهرست الشيخ وفهرست النجاشي، كتبت لترجمة الشيعة وغير الشيعة ممن رووا للشيعة وعن أئمتهم أيضا. ومن ثم نشاهد في كتاب الاختيار أسماء اشخاص مثل محمد بن إسحاق ومحمد بن المنكدر وعمرو بن خالد و...، مع أنهم ليسوا من الشيعة، وذلك لأنهم رووا عن أئمة الشيعة.
وأغلب الظن، ان الشيخ في تلخيصه وانتخابه كان ينظر قبل الرجال