علماء الفن بعد أيام الشيخ، وانها انقرضت بالكلية. والوحيد الذي يظن أنها كانت عنده، هو الشهيد الأول، لأنه في حاشيته على كتاب " الخلاصة " للعلامة، بعد أن نقل أحد المطالب من اختيار الرجال، نقل نفس المطلب من كتاب الكشي بصورة أخرى (1) وهذا يدل على أنه علاوة على وجود اختيار الرجال عنده أن أصل كتاب الكشي كان عنده أيضا، وأنه قابل أحدهما بالآخر وطابق بينهما. ولكن المحقق الشوشتري المعاصر مؤلف قاموس الرجال (المتمتع بمقام رفيع في هذا الفن) يعتقد أن الشهيد قد اشتبه عليه أمر الكتاب الذي في يده، فتوهم نسخة من اختيار الرجال على أنها أصل كتاب الكشي، لأن نسخ اختيار الرجال تختلف الواحدة مع الأخرى في بعض الموارد. وأحسن شاهد على سهو الشهيد، أن هذه الجملة بعينها التي نسبها الشهيد إلى كتاب الكشي، نقلها المولى عناية الله القهپائي (2) (مرتب اختيار الرجال) من اختيار الرجال.
ويستفاد من بعض كلمات العلامة في كتاب " الخلاصة " أن النسخة الأصلية من كتاب الكشي كانت لديه، لأنه كان في بعض الموارد. ينقل مطلبا من الكشي مع عبارة " ذكره الكشي " أو " قال الكشي " على حين أنه لا توجد إشارة للمطلب المذكور في اختيار الرجال. ولكن مع التوجه إلى أن العلامة في كتاب الخلاصة ينقل عين عبارات أصحاب الأصول الرجالية لا مطالبهم فقط، يمكننا الاطمئنان إلى أنه في الموارد المذكورة عبارة " ذكره الكشي " أو " قال الكشي " أيضا مأخوذة من الكتب المذكورة، مثل كتاب النجاشي أو فهرست الشيخ، وليست من العلامة، وفي هذه الحالة يكون نقلهم للمطلب من كتاب الكشي لا العلامة. (3) والنتيجة، أنه منذ أيام الشيخ الطوسي والنجاشي لم يعثر أحد من علماء الفن على أثر لأصل كتاب الكشي أو كان لديه اطلاع عنه. كما قيل أن هذا الكتاب لم يكن رائجا قبل الشيخ. وبعد الانتخاب منه وتلخيصه سقط من التداول بالكلية، واكتسب المنتخب اعتبارا أكثر إلى مكانة منتخبه فاحتل مكانه.
ويمكننا من عبارة النجاشي بخصوص الشيخ الكشي، إذ يقول: " له كتاب الرجال كثير العلم وفيه أغلاط كثيرة " (4) ومن تناول الشيخ الطوسي له بالتنقيح، أن نستنتج أن النسخة الصحيحة المتقنة من الكتاب لم تصل حتى إلى الشيخ أو النجاشي، أو أنها في أصلها بالذات كانت كتابا مليئا بالخطأ. وهذا أيضا في حد ذاته يحتسب عاملا لاهمال الكتاب بعد اختيار الشيخ.
ويعتقد مؤلف قاموس الرجال، أن منظور النجاشي من الجملة: " وفيه أغلاط كثيرة " أن في أصل الكتاب خطا في المطالب، لا أن الخطا والتصحيف تطرق إليه فيما بعد عن طريق النساخ والكتاب. وإذ ذاك يبدي المحقق المذكور رأيه بان هذا الحكم من النجاشي بلا أساس، وأن الأخطاء الموجودة في كتاب الكشي فاحشة حتى أنه لا يخطر على البال نسبتها إلى شخص كالكشي (5) وما أعجب هذا الرأي من المحقق!! إذ أنه مع قبول افتراض أن النسخة الأصلية من كتاب الكشي لا وجود لها، من أين له أن يعلم أو يقدر أن أخطاء الكتاب فاحشة أو غير فاحشة، وأن يحكم ويظهر الرأي في إمكان أو عدم إمكان نسبتها إلى الكشي؟! وبعبارة أخرى: على أخطاء أي كتاب يدور الكلام؟ كتاب اختيار الرجال؟ هذا الكتاب الذي تأتى من صافي تحقيق الشيخ الطوسي وتنقيحه، وما كان النجاشي ليحكم عليه بطبيعة الحال؟ أم أصل كتاب الكشي؟ ولم يبق منه طول القرون الا اسمه؟ وفي الحالة الثانية، من أين تأتى لمؤلف قاموس الرجال أن يعرف أن أخطاءه فاحشة وينزه الكشي عن ارتكابها؟!.
وعلى أية حال، إذا قبلنا ان أخطاء أصل كتاب الكشي ناشئة عن تصحيف النساخ، وليست معلولا لخطأ المؤلف، فلا مندوحة قد وجب البحث عن علة تحريضه في عدم اعتناء معاصريه بكتابه. لقد كان هو وأستاذه العياشي ينقلان عن الرواة ضعيفي الحال، وهذا يحتسب طعنا كبيرا في عرف القدماء، نفس الأمر الذي أدى إلى ترك كتابه وهجره حال حياته وبعدها، مما ترتب عليه تحالف التحريف والتبديل على نسخه.
والعجب أن كتاب " اختيار الرجال " أيضا وهو المنتخب المنقح من ذلك الكتاب، ولا شك في أنه أصلا برئ من كثير من اشتباهات كتاب الكشي وأغلاطه، هو الآن مصاب بتحريفات وتصحيفات واشتباهات كثيرة.
وعلى حد قول العلامة الكلباسي مؤلف " سماء المقال " (6) فأن هناك قرائن تشير إلى تعرض هذا الكتاب لتطاول يد الحدثان وأسقطت وحذفت منه مطالب بمرور الزمان. كما أن المحدث النوري في خاتمة كتاب " مستدرك الوسائل " يذكر موارد نقل فيها مؤلفو الكتب الرجالية مطلبا من " اختيار الرجال " وهذا المطلب لا يوجد في النسخة الموجودة من الكتاب.
علاوة على كل هذا - كما أشرنا - فإنه تشاهد في النسخة الموجودة أخطاء وتصحيفات أشار الرجاليون المتأخرون إلى بعضها. ويعتقد المحقق الشوشتري أن أخطاء هذا الكتاب تفوق الحصر، وأن الموارد الصحيحة المصونة منه تعد على الأصابع. ومن الأخطاء التي يشير إليها المحقق، أنه في كثير من العناوين تختلط الأحاديث المتعلقة بشرح حال شخص، بالأحاديث المتعلقة بشرح حال شخص آخر، أو بأحاديث سميه من طبقة أخرى. مثلا الأحاديث الخاصة ب " أبي بصير ليث المرادي " اختلطت بالروايات الخاصة ب " أبي بصير يحيى الأسدي ". كما عرف " الحميري " وهو من أصحاب العسكري عليه السلام في عداد أصحاب الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام. ومنها أيضا أن أول رواية في حالات " عبد الله بن عباس " ذكرت خلال الأحاديث الخاصة ب " خزيمة " الذي عنون قبل عبد الله. وأنه قد ذكرت في ذيل اسم " محمد بن زينب " المكنى ب " أبي الخطاب " ثلاث وعشرون رواية لا ترتبط به من أي وجه. (7)