وأول من وضع كتابا مفصلا في مجال الفهرست أبو الحسين أحمد بن حسين بن عبيد الله الغضائري المعروف بابن الغضائري معاصر الشيخ الطوسي والشيخ النجاشي وكان يتقدم الاثنين في المرتبة. وهو كما ذكر الطوسي في مقدمة الفهرست (3) قد ألف كتابين كبيرين كاملين في هذا القسم، أحدهما يقتصر على " الأصول " والآخر يختص " بالمصنفات " (1) الا أن الذي حدث بعد موته الفجائي أن أحد أعقابه أتلف نسختي هذين الكتابين العزيزين القيمين لا غير.
فلم يصل هذا الأثر العظيم إلى الأجيال التالية ولو بقي لكان بلا شك ثروة رجالية شيعية. (2) أما معرفة الدافع إلى تدوين الفهرست فيمكننا معرفته مما ذكره الشيخ النجاشي في مقدمة فهرسته المعتبر المبسوط المشهور برجال النجاشي حيث قال:
" فإني وقفت على ما ذكره السيد الشريف أطال الله بقاءه وادام توفيقه - من تعيير قوم من مخالفينا، أنه لا سلف لكم ولا مصنف. وهذا قول من لا علم له بالناس ولا وقف على أخبارهم ولا عرف منازلهم وتاريخ أخبار أهل العلم ولا لقي أحدا فيعرف منه... ".
ويكاد الظن أن يكون يقينا بأن نصف دوافع مؤلفي كتب الفهرست الآخرين أو قسم عظيم منها على الأقل هو نفس هذا الدافع الذي تشير إليه العبارة المذكورة، يعني التعريف بسلف الشيعة، وتجديد المعرفة بآثارهم القيمة في العلوم والفنون المختلفة، والرد على مغامز عدة من المخالفين وانتقاداتهم ممن يجهلون هذه الآثار ويقدحون في الشيعة بافتقارهم للسابقة العلمية.
وفي أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث، يطالعنا اسم " مشيخة ابن محبوب " (المتوفى سنة 224) وهو من الكتب الرجالية المعروفة، وقد رتبه أبو جعفر الأودي (4) فصولا حسب أسماء الرجال. وعليه، تصل سابقة " المشيخة " احدى اقسام علم الرجال بالمعنى العام إلى سنوات ما قبل 224.
وفي قسم تاريخ الرجال أيضا، وضعت في القرنين الثالث والرابع كتب، مثل " تاريخ الرجال " تاليف أحمد بن علي العقيقي (الأب) وغيره، وقد ثبتت أسماؤها في كتب الفهرست. (5) وبناء عليه، يمكن القول إن جميع الأقسام المختلفة لعلم الرجال (بالمعنى العام) قد ظهرت في القرون الأولى على فترات لا تكاد تطول، ثم أخذت تتوسع بالتدريج. وألفت الكتب في كل قسم من الأقسام وصنفت استجابة لمقتضيات الحاجة الماسة.
شخصية الشيخ الطوسي الرجالية:
يمكننا على ضوء ما تقدم (من نبذة تاريخية وجيزة وبيان للتطور التاريخي لعلم الرجال على مدى القرون الثلاثة الأولى) أن نقدر المكانة العظيمة والمقام الرفيع الذي بلغه في هذا العلم شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي (385 - 460) الفقيه المحدث الكبير. أنه هو ذلك العالم الذي استطاع بتأليف كتبه القيمة في هذا المجال، أن يسجل غاية خالدة في تاريخ هذا العلم. وكما أنه في علم الحديث قد حاز قصب السبق بين مؤلفي " الكتب الأربعة " الآخرين، فقد انفرد في الفقه بكتاب لم يسبق إلى أسلوبه المبتكر. لقد كان له في هذا القسم أيضا دور فائق مشخص، فهو جامع ثلاثة من الكتب الأربعة المعروفة عمدة اعتماد هذا الفن. وكانت كتبه من الجامعية ولياقة التنسيق ورشاقة الأسلوب وحسن السليقة والنبوع العلمي بحيث بزت كتب السابقين وأخلفتها متروكة مهجورة.
وما زالت هذه الكتب الثلاثة التي يختص كل منها بقسم من اقسام علم الرجال المختلفة منذ زمان المؤلف حتى يوم الناس هذا. - وهي فاصلة تربو على 9 قرون - وهي مدار بحث الخبراء وتحقيقهم وتأليفهم، وكما سوف نبين فإن الشروح والتذييلات والترتيبات قد دارت في مدار هذه الكتب.
اختيار الرجال الفهرست ولنتناول الآن التعريف بالكتاب الأول والثاني.
- 1 - اختيار الرجال أو تلخيص رجال الكشي يعود أصل هذا الكتاب - كما سنوضح بعد - إلى الشيخ أبي عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي (6) (المتوفى في أواسط القرن الرابع). كان موسوما ب " معرفة الناقلين عن الأئمة الصادقين " وكانت قد وقعت فيه أخطاء واشتباهات وإضافات، فاهتم الشيخ الطوسي بتلخيصه وتهذيبه، وأطلق عليه اسم " اختيار الرجال " وبناء على رواية السيد علي بن طاووس في كتاب " فرج المهموم " من نسخة بخط المؤلف، شرع في املائه على تلامذته يوم الثلاثاء 26 صفر سنة 456.
1 - مشخصات الكتاب:
موضوع هذا الكتاب، تاريخ الرجال وذكر طبقاتهم. ومبناه على ذكر الروايات الواردة في مدح الرجال والقدح فيهم، دونما اظهار للرأي في تلك الروايات.
ففي ذيل اسم كل رجل من الرجال. يأتي بحديث أو عدة أحاديث مسندة ذكر فيها الشخص المعني بصورة من الصور. وأحيانا ما تكون هذه الأحاديث محلا للنظر من حيث ما تتضمنه من مدح أو قدح، أو تكون متعارضة أحدهما مع الآخر. ففي هذه الحالة التي عادة ما تقتضي ترجيح أحد الحديثين، يمسك عن