أن مهنته كانت الوراقة (بائع الكتب وكاتب الكتب) ونقلا عن ابن النديم الذي قال أن والدي نقل عن الثقة أنه رأى الطبري بمصر، تستنتج أن والده كان رجل علم ومعرفة وهذا الأمر من ضروريات مهنة الوراق. إذا عرفنا " إسحاق الأول. وهو والد محمد، رغم أننا لا نعرف تاريخ ولادته ووفاته لكن ما لا شك فيه أنه كان رجلا معروفا اشتهر ب " أبي يعقوب الوراق ". كما أن ابنه كان قد اشتهر ب " ابن أبي يعقوب الوراق ". والظاهر أن مهنته هو أيضا أنه كان " وراقا " لكن لا يوجد نص قاطع بهذا الشأن إلا أن معلوماته الواسعة حول الكتب والمؤلفين والمصنفين وكذلك معرفته للكثير من العلماء المعاصرين لزمانه في مختلف الفنون وصداقته ومجالسته مع الكثير منهم، نظرا لمهنة والده، فإن الشك يتبدل إلى اليقين بأنه كان " وراقا " أيضا وورث هذه المهنة كبقية الكمالات والمعلومات من والده. إن حصوله على المخطوطات ومصنفات العلماء كالطبري والآخرين الذين يشير إليهم بين حين وآخر في كتابه الفهرست يؤيد هذه النظرية. كما وأن رابطته مع الوراقين يؤيد هذا الأمر أيضا حيث يقول: " وقال جماعة من أهل العلم وأكابر الوراقين " وذكر في الصفحة 10 من الفهرست أسماء عدد من الوراقين الذين كانوا يكتبون المصحف. إلى هنا عرفنا بواسطة صاحب الفهرست اثنين منهم وهما نفسه ووالده. كما عرفنا فيما مضى من أجدادهما، اثنين أي " إسحاق وإبراهيم النديم ". يبقى واحد من هذه السلسلة ليربط " إسحاق بن إبراهيم " بهذين الشخصين وهما صاحب الفهرست ووالده. إن الحلقة المفقودة هو " محمد بن إسحاق " جد صاحب الفهرست وابن " إسحاق بن إبراهيم "، فهل من سبيل للتعرف على محمد بن إسحاق بن إبراهيم النديم؟
نعم. بالإمكان إعطاء معلومات عنه من خلال الوثائق الموجودة، كما يلي:
أولا أن كنية إسحاق بن إبراهيم جاءت في الكثير من المآخذ " أبو محمد "، يقول الذهبي: " أبو محمد إسحاق بن إبراهيم النديم ولد سنة بضع وخمسين ومائة " وفي الأغاني: " حدثني أبو محمد إسحاق بن إبراهيم عن أبيه... " والزركلي: " هو إسحاق بن إبراهيم بن ميمون التميمي الموصلي أبو محمد بن النديم " يقول ابن الجوزي: " أبو محمد التميمي " ويروي ياقوت أن المأمون كان يخاطب إسحاق ويقول له يا أبا محمد. ويقول الخطيب البغدادي: " إسحاق بن إبراهيم بن ميمون أبو محمد التميمي الموصلي صاحب الأغاني المعروف والده بالموصلي... ".
ويروي أيضا: " قلت يا أبا محمد " وكذلك في الكثير من المآخذ والمصادر الأخرى. وعادة ينتخبون كنية الرجل من اسم ابنه الأول. إذا كان لإسحاق بن إبراهيم ولد اسمه محمد وكان أكبر أولاده. ولكن لم يذكر في قائمة أولاده. يقول ياقوت إن أسماء أبنائه هم: " حميد وحماد وأحمد وحامد وإبراهيم وفضل " ولكن لم يذكر اسم محمد وهو ابنه الأكبر (. ولا شك أن الذي كان مقيدا أن يختار لأولاده أسماء (أحمد وحامد وحميد وحماد) وهي أسماء مشتقة عن اسم الرسول الأكرم كان المفروض أن يختار اسم محمد لأحد أبنائه، إذا كان لإسحاق ولد يسمى محمدا.
ثانيا: ذكر الذهبي ضمن وفيات سنة (340): " محمد بن إسحاق بن إبراهيم أبو تراب الموصلي من ساكني هرات، حدث بها عن عمير بن مرداس النهاوندي، وعلي بن الحسين بن الجنيد الرازي، وعلي بن محمد بن عيسى الماليني وعنه " أبو منصور محمد بن محمد الأزدي " ويقول مصحح الكتاب في الهامش: " لم أجده بل ذكر السمعاني أباه إسحاق بن إبراهيم الموصلي ". وذكر الذهبي أيضا: " محمد بن إسحاق بن إبراهيم القرشي الهروي وعنه القاضي أبو منصور محمد بن محمد الأزدي. ويبدو أن هذين الاسمين لرجل واحد والظاهر أنه لم يكن من أهل هرات بل حسب ما يقول الذهبي كان يقيم في هرات وكان من العلماء والمحدثين. ولكن هناك نقطة تقلل من أن يكون " محمد بن إسحاق " ابنا لإسحاق بن إبراهيم الموصلي وهو أنه يجب أن يكون من وفيات الأعوام 270 أو 280 أو على الأكثر 300 ه بينما يذكر الذهبي أنه من وفيات سنة 340. والآن إذا كان احتمالنا صحيحا فيجب القول إن " محمد بن إسحاق " كان كأبيه مشمئزا من صفة المغني ولهذا فقد غادر بغداد متوجها إلى هرات كي لا يعرفه أحد هناك بهذه الصفة وهذه المهنة.
على أي حال نحن لا نعلم عنه أكثر من هذا عدا أن المحشي يعتقد أيضا أنه ابن إسحاق بن إبراهيم الموصلي.
والآن يمكننا القول إن محمد بن إسحاق غادر بغداد مبكرا وتوجه إلى هرات إلا أنه احتفظ باسم أبيه وجده ولقب الموصلي ولهذا السبب قد يكون قد ذهب عن الأذهان في بغداد ولم يذكر ضمن أبناء إسحاق. ويجب أن نستمر في التحقيق في هذا الأمر للحصول على المزيد من المعلومات والتأكيدات. ومن هذه التأكيدات أن ابن الجوزي يقول: إبراهيم بن محمد أبو إسحاق التميمي قاضي البصرة أشخصه المتوكل إلى بغداد لتولية القضاء " حيث من المحتمل أن يكون ابن محمد هذا وشقيق (إسحاق) والد صاحب الفهرست وسمى ابنه إسحاقا على تسمية جده " إسحاق بن إبراهيم ".
ثالثا: كذلك من المؤكد أن ابن النديم ذكر مرارا في الفهرست عن خط إسحاق بن إبراهيم الذي يحتمل أنه كان في أسرتهم. وهذا لا يعتبر دليلا حيث إنه نقل عن خطوط علماء آخرين أيضا.
سؤال هنا سؤال، هل إن ابن النديم كان يعرف نسبه إلى إسحاق بن إبراهيم الموصلي، المغني، النديم، أم لا؟ يبدو أنه لم يكن يعلم حيث إنه بعد ذهاب جده محمد من بغداد، فإن سلسلة الانتساب قد زالت بن الأسرة ورغم أنه ذكر اسم الأجداد إلا أنه لم يكن يعرف انطباقهم على ما ندعيه نحن، إن هذا الاحتمال متوقع من ابن النديم الذي لم يكن يعلم أن " المسعودي المؤرخ " المعاصر له بغدادي. إن المسعودي ينشد في كتابه مروج الذهب ج 1 ص 334 أشعارا تحت عنوان " الحنين إلى الأوطان " بعد أن غاب من بغداد عدة أعوام.
ويقول ابن النديم في ص 171 من الفهرست حول المسعودي: " هذا رجل من أهل المغرب و... " طبعا كان المسعودي قد قضى السنوات الأخيرة من حياته في مصر والدول الأخرى ولكن كيف تجاهل ابن النديم، بغداديته.
إن مثل هذه الأدلة التي تدل علي قلة معلومات ابن النديم كثيرة في الفهرست، الحقيقة هي أنه كان ذا فنون كثيرة ولكنه لم يكن متبحرا في فن التاريخ والرجال. أنه يشير إلى كتاب مروج الذهب ولكنه لم يقرأه لكي يعرف أن مؤلفه بغدادي مثله.
الاحتمال الآخر هو أن ذكر مثل هذا النسب والإشارة إلى أجداد كانوا مغنين وندماء وقد كان هذا العنوان سيئا إلى حد أن إسحاق بن إبراهيم نفسه كان يكرهه كما أشرنا سابقا وقد طلب من المأمون أن يحسبه ضمن الفقهاء، إن ذكر مثل هذا النسب لم يكن لابن النديم. وربما لهذا السبب لم يحترف مهنة الغناء في هذه العائلة عدا حماد بن إسحاق بن إبراهيم وأخيه طياب وربما لهذا السبب أيضا غادر محمد بن إسحاق جد صاحب الفهرست مدينة بغداد إلى هرات ليعمل في الفقه والحديث. وربما لهذا السبب لم يستخدم ابن النديم في الفهرست عنوان (النديم) لإسحاق وإبراهيم، كي يضيع هذا الانتساب ولا ينسب أحد من أسرته التي اشتهرت ب (النديم) إلى إسحاق بن إبراهيم الموصلي المغني وهذا هو الموضوع الذي وعدنا قبلا أن نشرحه، أن