من أساتذته أبو الفرج الأصفهاني صاحب كتاب الأغاني المعروف حيث يروي عنه بين حين وآخر. وأن بعد نظر ابن النديم جعلت الغربيين وعلماء عصرنا الحاضر يبدون اهتماما بالغا لكتابه الفهرست.
يبدو أن ابن النديم صنف هذا الكتاب لأحد الرجال حيث يقول في بداية الكتاب: " النفوس (أطال الله بقاء السيد الفاضل) تشرئب إلى النتائج... " ويقول في الصفحة 92: " ونسأل الله البقاء لمن صنفنا له ولنا في عافية وأمن وكفاية... ".
إن بحثنا هنا ليس حول أصل الكتاب وأهميته حيث يتطلب هذا الأمر كتابا منفصلا لمعرفة أهميته. إن دراستنا وبحثنا الرئيسي هو حول أسرة ابن النديم ومعرفة أصله ونسبه. وهذا الأمر مهم من ناحيتين:
الأول هو أن مثل هذا العبقري الفاضل الذي كان ولا شك من أهالي بغداد لم تعرف أسرته بعد وهل هو عربي أو إيراني الأصل أو من عنصر آخر.
وفي أية أسرة ترعرع وفي أية ظروف عاش بحيث تمكن أن يكسب مثل هذه المعلومات الغزيرة؟
والثاني هو أنه حتى يومنا هذا فإن جميع كتب الفهارس والرجال تسميه " ابن النديم ". كما في فهرست الشيخ الطوسي (385 - 460) وهو أقدم مأخذ يشير إلى ابن النديم وكتابه الفهرست وينقل عنه. كذلك المصادر والمآخذ الأخرى إلى يومنا هذا. إلا أن (السيد تجدد) الذي بادر قبل سنين إلى تصحيح هذا الكتاب وطبعه وحظي باهتمام الفضلاء في داخل البلاد وخارجها واستنادا إلى بعض النسخ التي تشير إليه ب (محمد بن إسحاق النديم) أو (النديم). حيث بدل عنوان (ابن النديم) المعروف منذ القدم إلى (النديم) حتى إن الزركلي في الطبعة الجديدة من الأعلام (ج 6 ص 29) أشار إلى هذا القول وكتب في ذيل الكتاب: أقول: إن صاحب الترجمة اشتهر ب (ابن النديم) ولكن (رضا تجدد) في الطبعة الجديدة ل (الفهرست) التي صدرت في طهران في شعبان سنة 1391 ه يشير على أنه (النديم) وليس (ابن النديم) ونشر الصفحة الأولى للمخطوطة النادرة والثمينة الموجودة في مكتبة (چستربتي) حيث ذكر اسم الكتاب فيه هكذا " الفهرست للنديم " وفي الهامش الأيمن وبخط المؤرخ " أحمد بن علي المقريزي " جاءت هذه العبارة " مؤلف هذا الكتاب أبو الفرج محمد بن أبي يعقوب إسحاق بن محمد بن إسحاق الوراق المعروف بالنديم ".
ويبدو أن الزركلي قد اقتنع إلى حد ما بأن صاحب الفهرست هو " النديم " لا " ابن النديم ". ولقد كنت منذ البداية في شك من قبول وجهة نظر السيد تجدد، ودهشت عندما علمت أن بعضهم قبل هذه النظرية فورا بدون أي تحقيق واستعملوا في مقالاتهم وكتاباتهم كلمة (النديم) وتخلوا عن استعمال (ابن النديم) الذي اشتهر بها صاحب الفهرست طوال ألف سنة. ولكن رويدا رويدا تبادر إلى ذهني بعض الأسئلة مما حملني على القيام بالتحقيق في ذلك وما أكتبه الآن هو نتيجة هذا التحقيق: طبعا ليس المهم أن يكون اسم صاحب الفهرست " النديم " أو " ابن النديم " حيث لا يحل أية مشكلة ولكن معرفة ابن النديم وعائلته تجرنا إلى طريق جديد، لنقوم من خلاله إلى إيضاح سبب تسميته ب (ابن النديم) أو (النديم) أو بالاثنين.
أما الأسئلة التي تبادرت إلى ذهني فهي:
1 - سابق كلمة (النديم) في التاريخ الإسلامي وعلى من كانت تطلق كلمة (النديم)؟
2 - إذا كان (ابن النديم) نفسه يحمل هذا المنصب، فنديم من من الخلفاء أو الوزراء كان ولماذا لم يذكر ذلك في كتابه الفهرست.
3 - إذا لم يكن هو نفسه (نديما) إذا فإن آباءه كان لهم هذا المنصب حتما، فأي واحد من آبائه وأجداده اشتهر بهذا القلب بحيث بقيت هذه الكلمة في أسرتهم وكان يسمى أفرادها ب (ابن النديم) أو (النديم)؟
4 - هل سجلت أنساب ابن النديم صاحب الفهرست في مكان ما، أم لا؟
5 - إذا كانت هذه السلسلة من الأنساب موجودة فلماذا لم يشر إليها ابن النديم، حيث كان هو من أهالي مدينة بغداد وكما يبدو من كتاب الفهرست أنه كان يعرف الأسر المعروفة وكان على صلة وصداقة مع الكثير من الرجال المعروفين خاصة رجال العلم والأدب والقن وزعماء المذاهب الإسلامية.
6 - وأخيرا هل إن (ابن النديم) عربي أم إيراني ولماذا يتهمه أهل السنة بأنه شيعي.؟
موضوع البحث نبدأ دراستنا حول اسم آباء ابن النديم الذي جاء في المآخذ والمصادر المختلفة.
يقول الزركلي هكذا:
" محمد بن إسحاق بن محمد بن إسحاق، أبو الفرج بن أبي يعقوب النديم ".
وجاء في معجم المؤلفين تحت عنوان " محمد النديم " هكذا، " محمد بن إسحاق بن محمد بن إسحاق النديم الوراق البغدادي أبو الفرج... " وذكر هذه العبارة أيضا المقريزي نقلا عن ذيل مخطوطة " الفهرست " كما أشرنا إلى ذلك سابقا. ولا شك أن مصدر هذا النسب هو كتاب الفهرست لابن النديم حيث ذكر ترجمة الطبري (224 - 310): " قال لي أبي إسحاق بن محمد بن إسحاق أخبرني الثقة أنه رأى أبا جعفر الطبري بمصر يقرأ عليه شعر الطرماح أو الحطيئة - الشك مني.. " كذلك جاء في الفهرست كنية أبيه ومهنته! " قال محمد بن إسحاق النديم المعروف بابن أبي يعقوب الوراق... " نستنتج من هذا أن ابن النديم كان معروفا في عصره ب " ابن أبي يعقوب الوراق... كما سنقول فيما بعد أن والده كان معروفا باسم أبي يعقوب الوراق ".
والآن يجب أن نبحث عن أسرة توجد فيها بعض هذه الأسماء " محمد بن إسحاق بن محمد بن إسحاق " مع لقب (النديم) أو (ابن النديم). يوجد في القرنين الهجريين الثاني والثالث رجل باسم " إسحاق بن إبراهيم بن ميمون التميمي الموصلي أبو محمد ابن النديم " يقول الزركلي عنه " أنه من أشهر ندماء الخلفاء تفرد بصنعة الغناء وكان عالما باللغة والموسيقي والتاريخ وعلوم الدين وعلم الكلام راويا للشعر، حافظا للأخبار، شاعرا وله تصانيف، نادم الرشيد والمأمون والواثق العباسيين ". ذكر ياقوت الحموي نبذة من تاريخ حياته وأشاد بمعلوماته كما أشاد بتفرده بصناعة الغناء لكن يقول: " وكان أكره الناس للغناء ". وكان يفضل أن يكون فقيها وطلب من المأمون الخليفة العباسي أن يحسبه ضمن الأدباء فقبل المأمون ذلك ثم طلب أن يرتدي الملابس السوداء في يوم الجمعة ويقف معه في المقصورة للصلاة ولكن المأمون رفض ذلك. وكان المأمون يقول " لو لم يكن إسحاق معروفا بالغناء لكنت جعلته قاضيا ".
تعلم إسحاق الحديث من مالك بن أنس وسفيان بن عيينة وبقية علماء العراق والحجاز.
على أي حال، بات يقينا أن إسحاق كان من أكبر المغنين وعالما بالموسيقى في عصره بعد أبيه وقد ورث هذا الفن عن والده إبراهيم الموصلي كما جاء في كتاب الأغاني ومعجم الأدباء. ويقول الذهبي تحت عنوان " إسحاق النديم "، الإمام العلاقة الحافظ ذو الفنون، أبو محمد إسحاق بن إبراهيم بن ميمون