ولد رضا في مدينة تبريز، وأصل اسمه علي رضا، وقد جاء إلى أصفهان في عنفوان شبابه، وترعرع في بيئة ذواقة للفنون، ولذلك نشأ مقبلا عليها: فأبوه " علي أصغر " كان رساما مشهورا في مكتبة الشاه إسماعيل.
ويقول إسكندر منشي في تاريخ العصر الصفوي فيما بين سنتي 1501 و 1629 م: إن رضا قد اشتغل في تصوير قصور الشاه منذ أن كان كبير مساعدي " مظفر على " (1) ثم أحتل المكانة الأولى من بعده، وإنه أصبح أعجوبة عصره في التصوير وفي رسم لوحات الأشخاص الفردية Single Figures، وبالرغم من رقة لمساته فإنه لم يكن رقيق الطبع، فقد كان يمارس ألعاب القوى، دائم الاتصال بالأندية الرياضية أندية المصارعة، لذلك اصطبغ بطابعهم (2)، كما أنه قطع شطرا طويلا من حياته غير محمود السيرة، وكان في ذلك الوقت قليل العناية بفنه، إذ كان حاد المزاج يميل إلى الوحدة وعدم مخالطة المجتمعات، فلم يكن فنه معبرا عن شئ إلا عن مناظر الشراب والمنادمة، ولهذا كان قليل الإنتاج في شبابه.
ثم التحق بخدمة البلاط، فحسنت سيرته، وزاد إنتاجه، وكان موضع عناية الشاه، لذلك لقب " شاه نواز " أي مدلل الملك، ومنذ ذلك الحين أضاف إلى اسمه لقب " عباسي " نسبة إلى الشاه، وأخذ يرسم الشاه في مجالسه المختلفة، كما رسم أفراد العائلة الملكية، وصور شخصيات عصره رجالا ونساء من قادة وأطباء وعلماء. وكانت فرشاته قادرة على تأدية مطلب البلاط، وفي الوقت نفسه كانت تأخذها المتعة في الانتقال من تلك المظاهر البراقة المترفة إلى تسجيل حياة الدراويش (3) والشحاذين والفقراء والمسنين في أوضاع لا تنقص إتقانا عن سابقتها.
وآثار رضا عباسي الفنية نوعان:
أما النوع الأول منها فتلك الصور التي رسمها. المخطوطات، وهي على العموم لم تخرج عن تقليد القديم، وكان إنتاجه فيها قليلا لتدهور تلك الصناعة وقلة إنتاجها منذ أواخر القرن السادس عشر الميلادي. ومن المخطوطات التي صورت في تلك الفترة شاهنامه الفردوسي، وفي متحف المتروبوليتان (4) بنيويورك مخطوطة للشاهنامه مؤرخة بسنة 1014 - 1016 ه (1605 - 1608 م)، بها خمس وثمانون صورة تحمل خصائص رضا عباسي وأسلوبه. ومن المعروف أن نشاط الفنانين قد تجلى في تصوير المخطوطات حتى ذلك العصر، وأن إيران قد فاقت غيرها في هذا المضمار.
أما النوع الآخر فصوره الفردية التي تصادفنا تارة ملونة وتارة أخرى غير ملونة، وهي خطوط بسيطة ولمسات سريعة، ولها سمات ودقائق فنية واضحة وهذه الخطوط السريعة التنفيذ Sketches هي خير ما يمثل عبقرية هذا الفنان وأستاذيته، لأنه استطاع أن يجعلها معبرة عن سمات الوجه وتفاصيله وانفعالاته، كما أوضح فيها الحركة بإشارات اليد أو الجسم. ومما عرف عنه أنه كان يعدل في الصورة، ويغير في إخراجها عدة مرات حتى يصل بها إلى النتيجة المنشودة.
ولئن كانت صور الأشخاص الفردية هذه قد ظهرت على يدي المصور محمدي قبل عصر الشاه عباس فإنه يرجع الفضل كل الفضل لرضا عباسي ومدرسته في نشر هذا اللون الجديد من الصور على نطاق واسع، ووضع الأسس التي أدت إلى تعميمها مما كان له الأثر أكبر الأثر في نقله التصوير الإيراني من الطابع الملكي إلى الطابع الشعبي، إذ لم يعد المصور يرسم للسلطان، ويوضح للمخطوطات، بل أصبح يرسم ما يمليه عليه خياله وفنه، ولهذا انتقل إلى الرسم من الطبيعة بعد أن كان يرسم موضوعات تقليدية من الذاكرة، كما أن الأشخاص الذين كانوا رمزيين متشابهي السحنة في الأسلوب القديم أصبحوا أشخاصا حقيقيين معروفين غالبا.
ومن الخصائص التي تجلت في أسلوبه الجديد وأسلوب مدرسته بصفة عامة عدم الاهتمام برسم العمائر. والواقع أنه لم يصبح لها أي اعتبار في رسومه على ضد ما كانت عليه من مكانة وأهمية لدى المصورين، إذ كانت لا تخلو منها صورة إلا فيما ندر، كما بعد الكثير من صوره عن الطابع الزخرفي لاستخدامه القلم في إخراج صور سريعة الإنتاج رخيصة التكاليف. ومن المعروف أن المصورين قبل رضا كانوا يعتمدون على الألوان الزاهية البراقة في إيجاد التباين والجو الزخرفي الذي يكسب الصورة الإيقاع الفني، أما رضا فكان يعتمد على خطوطه ولمساته في خلق هذا الإيقاع.
وامتاز رضا بدقة الملاحظة والتأثر بأسلوب الكتابة الخطية من حيث تكونها من عدة خطوط منحنية وخطوط مستقيمة قصيرة أو ممتدة، لأن رضا كان خطاطا إلى جانب كونه مصورا، وله إنتاج وافر في هذا الميدان. وأغلب كتاباته موقعة باسمه الأصلي " علي رضا " حيث اشتغل في بداية حياته - كما أسلفنا - في المخطوطات نسخا وتصويرا، كما وقع باسمه ونسبه " علي رضا العباسي ".
حينما اشتغل للشاه، وكتب. في مسجد الشيخ لطف الله وفي المسجد الجامع العباسي بأصفهان (5) كتابات رائعة بخط النسخ والتعليق.
ويرى بعض مؤرخي الفن الإسلامي أن علي رضا الخطاط غير علي رضا المصور وأنهما شخصان، ولكن جميع كتاباته توقيعاته وخطوطه بأسلوب واحد مما يجعلنا نعتقد أنهما شخص واحد، وكل ما في الأمر أنه وقع بأساليب وعبارات وأسماء متعددة مما دعا إلى الاختلاف في أمره، ومن ثم فهو فنان أصيل جمع بين فنين من أعرق الفنون وأجلها مكانة عند المسلمين، وهما الخط والتصوير، فالواقع الذي لا شك فيه أن سواد المسلمين لم ينظروا إلى التصوير نظرة ارتياح.
على أن عبقرية الفنان المسلم تجلت في ناحية التصوير في المخطوطات، إذ شغف المصورون بتجميلها وتزيين كتب العلم والدين والأدب والتاريخ والصناعات بصور مفسرة، كما تجلت عبقريتهم في نسخ هذه الكتب بالخط الرائق الجميل ورسم رضا في أرضية صوره أغصانا ذات أوراق مبسطة مختلفة الشكل، وتعتبر هذه الأغصان علامة ملازمة مميزة لصوره، ورسم الأفق والتلال والكثبان والمناظر المرئية في الطبيعة الإيرانية والواقع أن أرضية بعض صوره يغلب عليها التسطيح، وهي التي نهج فيها على الأسلوب القديم في المخطوطات أو بعض الرسوم الملونة الأخرى، أما تلك التي تجلى فيها أسلوبه فيها ظلال أظهرت فيها نوعا من التجسيم.
وولع بإظهار طيات الثياب كما نوع في أشكالها من ملابس دراويش، إلى