على ذلك المدار، فلا يفرق بين محاريب البلدان وقبورها والطرق التي يكثر عليها مرور المسلمين والقرى وغيرها مما يفيد ما ذكرنا، بخلاف محاريب الطرق التي يندر مرور المسلمين عليها والقرى الخربة والبلد التي لا يعلم كونها بلاد إسلام وغيرها مما لا يفيد ذلك، كما هو واضح، والله أعلم، ومن ذلك وما تقدم سابقا يظهر لك ما في المدارك وتبعه عليه غيره من أن إطلاق كلامهم يقتضي أنه لا فرق في ذلك بين ما يفيد العلم بالجهة أو الظن، ولا بين أن يكون المصلي متمكنا من معرفة القبلة بالعلامات المفيدة للعلم أو الاجتهاد المفيد للظن أو ينتفي الأمران، وربما ظهر من قولهم: (فإن جهلها عول على الأمارات) عدم جواز التعويل عليها للمتمكن من العلم إلا إذا أفادت اليقين، وهو كذلك، لأن الاستقبال على اليقين ممكن، فيسقط اعتبار الظن، فلاحظ وتأمل فيما قدمنا كي تعرف محال النظر من كلامه، والله أعلم.
(ومن ليس متمكنا من الاجتهاد) فضلا عن العلم أو ما يقوم مقامه (كالأعمى يعول على غيره) مخبرا أو مجتهدا على المشهور بين الأصحاب في الأعمى نقلا وتحصيلا، بل لا أجد فيه خلافا صريحا إلا أن من الشيخ في الخلاف، فيصلي إلى الأربع، قال فيه:
أنه ومن لا يعرف إمارات القبلة تجب عليهما الصلاة أربعا مع الاختيار، وعند الضرورة يصليان إلى أي جهة شاءا، ونسب الرجوع إلى الغير إلى الشافعي، ثم قال: وأما إذا كان الحال حال الضرورة جاز لهما أن يرجعا إلى غيرهما، لأنهما مخيران في ذلك وفي غيرها من الجهات، وإن خالفاه كان لهما ذلك، لأنه لم يدل دليل على وجوب القبول من الغير، نعم قيل إنه يظهر من الألفية ويلوح من المقنعة والنهاية والمراسم والوسيلة والسرائر موافقته لقولهم من لم يتمكن من ذلك لغيم أو غيره وفقد سائر الأمارات والعلامات صلى إلى أربع جهات، ولم يتعرضوا لخصوص الأعمى، إلا أنه على كل حال لا ريب في ضعفه، قيل، للأصل والعسر وعموم خبر العدل أو اطلاقه وأخبار الائتمام