من ثلث دائرة، ثم نظرنا قريب الصباح ما رأيناه منها وقد وصلت تلك إلى نصف دائرة كبيرة تقريبا، وهو واضح لمن جرب وتأمل، وبما حكاه هو أيضا عن خاله من أنه ليس الجدي حال الاستقامة على القطب الشمالي، بل له أوضاع متعددة، وهو إنما يكون على القطب وخط نصف النهار حال كونه مائلا إلى الغرب كثيرا وهو أيضا معلوم بالبرهان والأسطرلاب وغيره، قال: ويؤيده أنهم يجعلونه حال الاستقامة وعكسها محاذيا للمنكب، فيلزم كون قبلة العراق خط نصف النهار، مع أنه معلوم العدم، وهم صرحوا بأنها مائلة عنه إلى الغرب، واستخرجه سلمه الله تعالى في الكوفة والنجف الأشرف، قال: إنها مائلة عنه باثني عشر درجة تخمينا.
لكنك خبير بضعف الظن من كلام هذين المقدسين في مقابلة كلام أولئك الأساطين، خصوصا دعوى أن الجدي حال الاستقامة ليس على القطب، ومن الغريب تأييده بما سمعت المقتضي للانحراف في القبلة لا ما ذكره، نعم يمكن دعوى العبرة بالجدي من غير تقييد بما عرفت، لاطلاق النصوص السابقة والمحكي من فتاوى كثير من الأصحاب كالشيخين وشاذان وبني حمزة وإدريس وسعيد والفاضل والشهيد وغيرهم، إما للتسامح في هذا التفاوت، أو لغير ذلك، إلا أن الأحوط مراعاته، والله أعلم.
قيل: والمراد بالمنكب مجمع العضد والكتف كما في الصحاح والقاموس وحاشية النافع والروض والمقاصد العلية وآيات الأردبيلي ومجمعه والمدارك وشرح رسالة صاحب المعالم، بل في الآيات المذكورة أن كون الكتف منه لا دليل عليه من اللغة والشرع، قلت فيما حضرني من مختصر النهاية الأثيرية أنه ما بين الكتف والعنق، بل هو كصريح جامع المقاصد، بل قيل إنه الظاهر من نهاية الإحكام والتنقيح وإرشاد الجعفرية أيضا، وربما يؤيده أيضا ما عرفت من تصريح غير واحد منهم بوضع القطب بحذاء الأذن اليمنى، والفرض أنهم صرحوا بمحاذاة الجدي له في الحالين اللتين يكون عندهما علامة،