الأرض مانعة عن ذلك، بل قال: قد رصد ذلك أهل المعرفة، وشوهد بالعيان خفاء بعض الكواكب الغربية لمن جد في السير نحو المشرق وبالعكس، وكذا حكي عن ولده فخر المحققين، وكونها فراشا ومهادا ومسطحة لا ينفي كونها كروية باعتبار عظم حجمها بحيث يحصل ذلك فيها وترى مسطحة كما عن الزمخشري التصريح ببعض ذلك في آية الفراش، بل هو المحكي عن المرتضى (رحمه الله) أيضا، ودعوى اختلاف قبور الأئمة (عليهم السلام) مع قربها اختلافا لا يتسامح فيه في استقبال البعيد ولو ظنا مع استمرار السيرة القطعية على ايقاع ما يشترط فيه الاستقبال على ذلك ممنوعية أشد المنع على مدعيها، وكان المسألة بحمد الله من الواضحات التي لا تحتاج إلى إقامة الأدلة والبينات، ولولا سريان هذه الشبهة إلى جماعة من أهل هذا العصر لكان ما صدر منا من الكلام فضلا عن الزيادة عليه من تضييع العمر في الفضولات، والله أعلم بحقيقة الحال.
وكيف كان فهذا كله في تحقيق الجهة التي أمر أصحاب البعيد باستقبالها، وقد تطلق الجهة في كلامهم على غير ذلك كقول المصنف: (وجهة الكعبة هي القبلة لا البنية فلو زالت البنية صلى إلى جهتها كما يصلي من هو أعلى موقفا منها) أو أسفل، ضرورة كون مراده بالجهة هنا الفضاء الذي حوت بعضه البنية، وشغل الأرض بعضا آخر منه، وبقي الثالث متصلا إلى عنان السماء، لا الجهة بالمعنى المزبور، ومن هنا لم يعرف خلاف بين العلماء كما اعترف به في المدارك في كون المدار في القبلة على ذلك، وخلاف شاذان في غير ذلك كما ستعرف الحال فيه، مع أنه على تقديره لا يعبأ به، إذ الآجر والجص والتراب مما ينقل ويضمحل، وقد سئل الصادق (عليه السلام) في خبر عبد الله بن سنان (1) (عن رجل صلى فوق أبي قبيس العصر، والكعبة تحته فهل تجزئ؟ فقال:
نعم إنها قبلة من موضعها إلى السماء) كقوله (عليه السلام) أيضا (2): (لا بأس)