رحمه الله قال بعد أن روى ذلك كله: (فإذا غاب الشفق فأذن للعشاء الآخرة) إلى آخره. وظاهره ايقاع ذلك كله قبل ذهاب الشفق، وقد عرفت أنه لا يسعه الأول فضلا عن الثاني، اللهم إلا أن يريد بالأذان بعد غيبوبة الشفق ولو مع فاصل طويل لا ابتداء غيبوبته، ويدفع بأن ذلك وارد على الغالب في عادة الناس من عدم فعل الجميع، بل الأوحدي منهم إنما يفعل البعض، فهو نظير ما ورد من المستحبات في الليل والنهار مما يقطع الواقف عليها بعدم سعتهما له، ولا مخلص منه إلا بما ذكرنا، أو يدفع بالتزام تأخير العشاء إلى مضي الثلث من الليل كما هو المحكي عن فعل الرضا (عليه السلام)، والله أعلم، ولقد طال بنا الخطاب حتى خرجنا عما عزمنا عليه من وضع الكتاب، والانسان ذو شؤون، والحديث ذو شجون.
(و) كيف كان فظاهر تقييد المصنف العدد المذكور بالحضر أنها ليست كذلك في غيره، وهو كذلك، إذ (تسقط في السفر نوافل الظهر والعصر) بلا خلاف أجده فيه، كما اعترف به غير واحد، بل في صريح الروضة وظاهر السرائر أو صريحها وعن الخلاف وغيره الاجماع عليه، كظاهر الذكرى وعن المعتبر والمنتهى، بل والأمالي حيث نسبه إلى دين الإمامية، وهو الحجة، مضافا إلى النصوص المعتبرة المستفيضة المروية في الكتب الأربع وغيرها، فمنها خبر أبي بصير (1) عن الصادق (عليه السلام) (الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شئ إلا المغرب، فإن بعدها أربع ركعات، لا تدعهن في سفر ولا حضر، وليس عليك قضاء صلاة النهار، وصل صلاة الليل واقضه) ونحوه غيره (2) بل في خبر أبي يحيى الحناط (3) النص على نافلة النهار، قال: (سألت الصادق (عليه السلام) عن صلاة النافلة بالنهار في السفر فقال: يا بني لو صلحت النافلة بالنهار