هجر كل واحد من المشتبهين فقد حكم بوجوب هجر ما لاقاه، وهذا معنى ما استدل به العلامة قدس سره في المنتهى على ذلك بأن الشارع أعطاهما حكم النجس، وإلا فلم يقل أحد إن كلا من المشتبهين بحكم النجس في جميع آثاره.
أو أن الاجتناب عن النجس لا يراد به إلا الاجتناب عن العين وتنجس الملاقي للنجس حكم وضعي سببي يترتب على العنوان الواقعي من النجاسات، نظير وجوب الحد للخمر، فإذا شك في ثبوته للملاقي جرى فيه أصل الطهارة وأصل الإباحة. والأقوى هو الثاني...).
هذا، ولا يخفى أن البناء على أن الاجتناب عن النجس يراد به ما يعم الاجتناب عن ملاقيه إن رجع إلى ظهور دليل الاجتناب في كونه كناية عن الانفعال، نظير ظهور بعض النصوص الناهية عن إدخال اليد النجسة في الاناء في تنجسه بها - كما لعله المناسب لما نقله عن الغنية من الاستدلال - فهولا ينفع في المقام، ضرورة أن وجوب الاجتناب عن الأطراف - مع عدم كونه مستفادا من خطاب شرعي لفظي، بل هو ثابت بحكم العقل - ليس كناية عن نجاسة الملاقى فضلا عن الملاقي، بل للاحتياط، ولذا يختص بما يصلح للتكليف، كالماء الذي يحرم شربه إذا كان نجسا، والثوب الذي تمتنع الصلاة به إذا كان كذلك، دون مثل القلنسوة والخاتم.
وإن رجع إلى دعوى: أن تحريم الشئ يستلزم تحريم ملاقيه عقلا أو عرفا أو شرعا، كما لعله المناسب لوجه الاستدلال بالحديث المشار إليه.
فهو - مع عدم صلوحه لاثبات النجاسة، بل لوجوب الاجتناب لا غير - لا ينفع أيضا، لان الملزوم هو وجوب الاجتناب الشرعي الواقعي - كما في الميتة