حيث يلزم موافقته عقلا، والموافقة الاجمالية عند العلم الاجمالي إنما هي لكون العمل قائما بالفرد المردد بين الفردين، لا لقيامه بالكلي الجامع بينهما.
فالاستصحاب في المقام من استصحاب الفرد المردد بين مقطوع البقاء ومقطوع الارتفاع، وقد تقدم في التنبيه العاشر من تنبيهات الفصل السابع أنه لا مجال لجريانه.
بل يزيد هنا أنه إذا كان العلم بالتكليف المردد بين الأقل والأكثر لا يقتضي إلا تنجز الأقل - كما تقدم - فاستصحاب التكليف المذكور لا يزيد على ذلك وحيث يمتنع تنجيز الأقل بعد فرض الاتيان به للعلم التفصيلي بعدم وجوبه يمتنع الاستصحاب.
وحاصل محذور الاستصحاب هنا: أنه بنفسه ينافي العلم التفصيلي، بخلافه هناك، فإنه لا ينافيه بنفسه، بل بإطلاقه.
نعم، لو فرض ترتب الأثر على كلي التكليف، كما لو نذر المكلف أن يتصدق بدرهم إن بقيت ذمته مشغولة ساعة مثلا، جرى الاستصحاب المذكور، وكان من القسم الثاني من استصحاب الكلي، لو كان مراده الانشغال الواقعي..
وإن كان مراده الانشغال العقلي المتفرع على التنجز فلا مجال للاستصحاب، لورود أصالة البراءة الشرعية، بل العقلية عليه، لارتفاع الشك معها حقيقة.
المسألة الثانية: في الدوران بين التعيين والتخيير العقليين.
لا يخفى أن مرادهم بالتخيير العقلي هو التخيير في مقام الامتثال عقلا بين أفراد الماهية التي تكون موردا للتكليف التعييني الشرعي، فكلما كان المكلف به مرددا بين الماهية المطلقة - التي هي مورد التخيير العقلي - والمقيدة بالخصوصية - الملزم بتعينها في مقام الامتثال - كان من الدوران بين التعيين والتخيير العقليين، سواء كانت الخصوصية جزءا خارجيا متحدا مع الواجب مأخوذا فيه - كالاستعاذة في الصلاة - أم قيدا مباينا للماهية موردا لفعل المكلف