واقعيا، بل التنافي بين دليل الأصل ودليل حجية الطريق، ومن الظاهر أن مفاد دليل حجية الطريق ليس حكما واقعيا، بل ظاهري، كمؤدى دليل الأصل.
وبالجملة: عدم التنافي بين الاحكام الواقعية والظاهرية لا يستلزم تقديم الطرق على الأصول، إذ المعيار في تقديم الطريق على الأصل تقديم دليل حجية الطريق على دليل الأصل، ومن الظاهر أن مفاد الدليلين معا حكم ظاهري لا واقعي ولذا لو فرض أخذ عدم جريان الأصل في موضوع حجية الطريق، بحيث يكون جريان الأصل رافعا لموضوعها لزم تقديم الأصل عليه، وإن كان مؤدى الأصل حكما ظاهريا ومؤدى الطريق حكما واقعيا، كما تقدم في أواخر الكلام في المقدمة الثانية من مقدمات دليل الانسداد.
الامر الثالث: الأصول العملية التي اهتم المتأخرون بتنقيح مجاريها وتبويبها أربعة: البراءة، والاشتغال، والتخيير، والاستصحاب. وهي تشترك في الجريان في الأحكام التكليفية. ولم يتعرضوا لأصالة الطهارة، مع أنها تجري في الشبهات الحكمية أيضا، فهي من المسائل الأصولية..
إما لما قيل من أنها من الأصول المتفق عليها، فلا تحتاج إلى الاستدلال.
أو لانصراف اهتمامهم بالشك في الأحكام التكليفية، لأهميتها وكثرة الابتلاء بها، بخلاف الطهارة ونحوها من الأحكام الوضعية، فإنه يقل الابتلاء بها.
أو لتخيل كون الطهارة كسائر الأحكام الوضعية منتزعة من الأحكام التكليفية ، فهي راجعة إليها، فيكون الشك فيها شكا في الأحكام التكليفية، التي هي مجرى الأصول المتقدمة. ولعله إليه يرجع ما عن شيخنا الأعظم قدس سره من رجوع أصالة الطهارة إلى أصالة البراءة.
أو لتخيل كونها من الأمور الواقعية التي كشف عنها الشارع، لا من الأحكام الشرعية، فالشبهة فيها موضوعية لا حكمية.
ولعل الأقرب في وجه إعراضهم هو الثاني.