مع أنه لو كان رادعا عن الاحتياط في مورد احتمال النجاسة، فلا يدل على الردع عنه ذاتا، بنحو ينافي حسنه عقلا، بل عرضا لمنافاته لمصلحة التيسير، لظهوره في أن مصلحة التيسير المقتضية للسعة عملا مما يهتم الشارع به، بحيث تكون أهم من مصلحة المحافظة على طهارة الماء في ظرف الجهل، وحيث أنه لا إشكال في لزوم الوضوء بالماء الطاهر واقعا المستلزم لحسن الانقياد عقلا بالاحتياط فيه كان المقام من مزاحمة حسن الانقياد بحسن الطاعة بالإضافة إلى مصلحة التيسير الاستحبابية، وحيث كان الثاني أهم كان هو الأرجح عقلا وإن كان الاحتياط باقيا على حسنه، فيكون مرجع الردع الشرعي في المقام إلى إحداث حكم شرعي تكون طاعته مزاحمة للاحتياط عقلا من دون أن ترفع حسنه، كما تقدم في أول الكلام في هذا الامر.
ومنه يظهر الحال في ما عن تفسير النعماني ونحوه مما تضمن الامر بالتيسير، فإنه راجع إلى استحباب الاتيان بالرخص، ويكون الحكم المذكور مزاحما لحسن الاحتياط، لا رافعا لحسنه.
فتحصل أن النصوص المذكورة لا تنافي حسن الاحتياط ذاتا، بملاك الانقياد، وإنما تدل على أمرين لا ينبغي الاستهانة بهما..
الأول: أن الاحتياط قد يكون مرجوحا بالعرض لو كان ناشئا من عدم سكون النفس للترخيص الشرعي وعدم ركونها للعمل به، لمنافاة ذلك للتسليم الكامل به.
الثاني: أنه ينطبق على ترك الاحتياط عنوان راجح شرعا يحسن عقلا الاتيان به بداعي إطاعة الشارع وانقيادا له، كما يحسن الانقياد له بالاحتياط، وهو عنوان التيسير واستعمال الرخصة. فتأمل جيدا.
الامر الثاني: حيث عرفت حسن الاحتياط عقلا فقد وقع الكلام بينهم في حسنه شرعا والامر به مولويا. فقد استفاضت النصوص المتقدمة التي استدل بها