وربما يدفع: بأن ذكر تفويض الامر إلى الله تعالى في هذه الطائفة يوجب اختصاصها بما إذا رضي الخصمان بالرجوع إليها، فهي نظير الصلح لا تشرع بنحو الالزام حتى تكون في عرض الحجج والأصول، بل في ظرف رضا صاحب الحق، فلو لم يرض وكان له أصل أو حجة تعضده لم يصلح دليلها لرفع اليد عنه والزامه بها.
وفيه: أن ورود هذا المضمون من النبي صلى الله عليه وآله في مقام إمضاء ما فعله أمير المؤمنين عليه السلام من إجراء القرعة بين المتنازعين، الظاهر في عدم استئذانه عليه السلام منهم وعدم اصطلاحهم عليها، يوجب ظهوره في عدم اعتبار رضا الخصمين بها، وأنها مشرعة بنحو يلزمان بها ولو لكون الحاكم قائما مقامها.
نعم، ذكر التفويض إلى الله تعالى ظاهر في أن الرجوع إليها في ظرف الاحتياج إلى حكمه لعدم حكم له في الواقعة، فلا يشمل ما لو كان له تعالى حكم فيها ظاهري أو واقعي مغن عن الرجوع إليها.
وإن شئت قلت: لا إطلاق لهذا اللسان يقتضي مشروعية القرعة في مطلق صورة جهل الحق، بل هو منصرف إلى ما إذا لم يكن لمعرفته طريق شرعي ظاهري أو واقعي، حتى يحتاج إلى تفويض الامر إليه تعالى وطلب كشف الحال منه، فأدلة الطرق والأصول تكون واردة على العموم المذكور لا معارضة له، ولا سيما مع عدم تضمن العموم المذكور الالزام بتفويض الامر إليه تعالى بالاقراع، بل مجرد مشروعية ذلك، فلا ينهض بمعارضة أدلة الطرق والأصول الظاهرة في الالزام بمؤدياتها. فلاحظ.
مضافا إلى ما هو المعلوم من ظهور أدلة أحكام المدعي والمنكر في عدم الرجوع للقرعة مع فرضهما في مورد النزاع، لمطابقة قول أحدهما للحجة ومخالفة الآخر لها، فلابد من اختصاص عموم القرعة بما إذا لم يكن هناك مدع ومنكر، لمخالفة كلا المتنازعين للحجة، وهذا كاف في تقديم عمومات أدلة