على أنه لو تم ما ذكره قدس سره فمن الظاهر عدم سوق الآية لمحض الاخبار، بل لبيان جريانه تعالى في العذاب على طبق الموازين العقلائية العامة الراجحة أو اللازمة من توقفه على إقامة الحجة، فيدل على ثبوت ذلك في العذاب الأخروي بتنقيح المناط، بل بالأولوية، لأهمية العقاب الأخروي، بلحاظ شدته، وتمحضه في الجزاء، الذي هو أولى بالاحتياج للحجة، بخلاف العذاب الدنيوي، حيث أنه قد يكون من سنخ الآثار الوضعية للأفعال وإن كانت عن عذر، أو يكون للامتحان، أو نحوهما مما لا يكون من سنخ الجزاء ولا يتوقف على إقامة الحجة ارتكازا. فالانصاف أن دلالة الآية وافية جدا.
ثم إنه ربما يقرب دلالتها على نفي الاستحقاق بما أشرنا إليه من ظهور التركيب المذكور في أنه ليس من شأن النسبة الوقوع، بل هي لازمة الانتفاء.
لكنه أعم من عدم الاستحقاق، لامكان أن يكون اللزوم بلحاظ التزامه تعالى بمقتضى اللطف وإن لم يكن واجبا، نظير قوله تعالى: ﴿وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون﴾ (١) مع وضوح الاستحقاق، كما يشهد به قوله تعالى بعد ذلك: ﴿وما لهم أن لا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام...﴾ (2) وكيف كان، فيكفي في الاستدلال بالآية دلالتها على نفي فعلية العقاب وإن لم تدل على نفي استحقاقه لكونها حينئذ مؤمنة من العقاب، فلا يحتمل الضرر المقتضي للحذر والمستلزم لتنجز التكليف المحتمل. غايته أنها إن دلت على نفي الاستحقاق كانت إرشادا لحكم العقل المتقدم بقبح العقاب من غير بيان، وإلا كانت دليلا على الأصل الأولي المذكور في قباله.
بقي شئ، وهو أنها حيث كانت دالة على الأصل الأولي، فلا تنافي