وأما ما يظهر من شيخنا الأعظم قدس سره من حمل الهلكة فيه على مطلق ما يترتب على الاقتحام في الشبهة ومخالفة احتمال التكليف وإن لم يكن لازم الدفع عقلا، فإن كان التكليف منجزا كان هو ضرر العقاب اللازم الدفع، وإن لم يكن منجزا كان هو ضرر فوت الواقع الذي يحسن دفعه ولا يلزم.
فهو خلاف الظاهر جدا، لظهور الهلكة في أهمية الضرر بنحو يجب دفعه - كالعقاب - دون ما لا يجب دفعه كفوت الملاك الواقعي، الذي قد يكون عرفا من سنخ فوت النفع، لا الوقوع في الضرر، فضلا عن أن يكون وقوعا في الهلكة ليكون مشمولا للتعليل المذكور.
نعم، تقدم في موثقة مسعدة بن زياد تطبيق التعليل المذكور على النكاح في مورد الشبهة الموضوعية التي لا يجب فيها الاحتياط. لكنها مختصة بموردها، ولا مجال للتعدي عنه، كما يظهر مما ذكرنا هنا وهناك.
وأما القسم الثاني فالتعليل فيه وإن كان لا ينافي الاستحباب، إلا أن ظاهر الشبهة فيه خصوص موارد تنجيز الاحتمال، ولا أقل من كون المتيقن منه ذلك.
وكذا ما تضمن الامر بالاحتياط ونحوه، كما يظهر بما تقدم في استدلال الأخباريين بالنصوص المذكورة. فراجع.
بل شمول نصوص الاحتياط للشبهة غير المنجزة لا يناسب أدلة الأصول والقواعد الترخيصية، بل أدلة الحجج من اليد والسوق ونحوهما، لظهورها في الحث على العمل بمؤداها بالنحو الذي لا يناسب نصوص الاحتياط، ولا سيما ما تضمن منها إطلاق الهلكة. بل التأمل في الأدلة المذكورة شاهد بمباينتها موردا لاخبار الاحتياط، بل هي رافعة لموضوعها عرفا، لاختصاصها بالشبهات المنجزة، كما ذكرنا.
وقد تحصل من جميع ما ذكرنا: أنه لا طريق لاثبات حسن الاحتياط شرعا، وليس حسنه إلا عقليا. ويأتي في الامر الثالث ما ينفع في المقام إن شاء الله تعالى.