وقد برهن على ذلك: بأن الامتثال لا يمكن إلا أن يكون الداعي إلى إيجاد الفعل هو الامر، ولما كان الامر لا يدعو إلا إلى متعلقه فلا بد في الامتثال من قصد عنوان المأمور به، والمأمور به هاهنا هو المقدمة بالحيثية التقييدية، لان الكاشف عن وجوب المقدمة هو العقل بالملاك العقلي، والعقل يحكم بوجوب المقدمة من حيث هي مقدمة، فلا بد من كشف الحكم الشرعي بذلك الملاك على الحيثية التقييدية، ولما كان القصد بهذه الحيثية لا ينفك عن القصد بالتوصل إلى ذي المقدمة - للزوم التفكيك للتناقض - فلا بد في امتثال أمر المقدمة من قصد التوصل إلى صاحبها.
هذا، ولا يخفى أنه لا يرد على هذا الاحتمال شي مما وقع في كلام بعض المحققين:
تارة: بإنكار رجوع الحيثيات التعليلية في الأحكام العقلية إلى التقييدية (1)، وذلك لان إنكاره مستلزم لاسراء حكم العقل من موضوعه إلى غيره بلا ملاك، فإن الظلم - مثلا - إذا كان قبيحا عقلا، فوقع عمل في الخارج معنونا بعنوان الظلم وعناوين اخر، فحكم العقل بقبحه إذا لم يرجع إلى حيثية الظلم، فإما أن يرجع إلى حيثيات اخر، وهو كما ترى، أو إلى الذات بعلية الظلم بحيث تكون الذات قبيحة، لا الظلم وإن كان هو علة لقبحها، فهو - أيضا - فاسد وخلف، فإن الذات تكون قبيحة بالعرض، فلا بد وأن يكون الظلم قبيحا بالذات، فيصير الظلم موضوعا - بالحقيقة - للقبح، وهذا معنى