ذكر ضمير المعروضين تغليبا للعقلاء على غيرهم. وقرأ ابن مسعود " عرضهن " وقرأ أبي " عرضها " وإنما رجع ضمير عرضهم إلى مسميات مع عدم تقدم ذكرها، لأنه قد تقدم ما يدل عليها وهو أسماؤها. قال ابن عطية:
والذي يظهر أن الله علم آدم الأسماء وعرض عليه مع ذلك الأجناس أشخاصا، ثم عرض تلك على الملائكة وسألهم عن أسماء مسمياتها التي قد تعلمها آدم، فقال لهم آدم: هذا اسمه كذا وهذا اسمه كذا. قال الماوردي: فكان الأصح توجه العرض إلى المسمين. ثم في زمن عرضهم قولان: أحدهما أنه عرضهم بعد أن خلقهم. الثاني أنه صورهم لقلوب الملائكة ثم عرضهم. وأما أمره سبحانه للملائكة بقوله (أنبؤني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين) فهذا منه تعالى لقصد التبكيت لهم مع علمه بأنهم يعجزون عن ذلك. والمراد (إن كنتم صادقين) أن بني آدم يفسدون في الأرض فأنبؤني، كذا قال المبرد،. وقال أبو عبيد وابن جرير: إن بعض المفسرين قال: معنى (إن كنتم صادقين) إذ كنتم، قالا: وهذا خطأ. ومعنى (أنبؤني) أخبروني. فلما قال لهم ذلك اعترفوا بالعجز والقصور (فقالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا) وسبحان: منصوب على المصدرية عند الخليل وسيبويه وقال الكسائي:
هو منصوب على أنه منادى مضاف وهذا ضعيف جدا. والعليم: للمبالغة والدلالة على كثرة المعلومات. والحكيم صيغة مبالغة في إثبات الحكمة له. ثم أمر الله سبحانه آدم أن يعلمهم بأسمائهم بعد أن عرضهم على الملائكة فعجزوا واعترفوا بالقصور، ولهذا قال سبحانه (ألم أقل لكم) الآية. قال فيما تقدم - أعلم مالا تعلمون - ثم قال هنا (أعلم غيب السماوات والأرض) تدرجا من المجمل إلى ما هو مبين بعض بيان، ومبسوط بعض بسط. وفي اختصاصه بعلم غيب السماوات والأرض رد لما يتكلفه كثير من العباد من الاطلاع على شئ من علم الغيب كالمنجمين والكهان وأهل الرمل والسحر والشعوذة. والمراد بما يبدون وما يكتمون: ما يظهرون ويسرون كما يفيده معنى ذلك عند العرب، ومن فسره بشئ خاص فلا يقبل منه ذلك إلا بدليل. وقد أخرج الفريابي وابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: إنما سمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض. وأخرج نحوه عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن جبير. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (وعلم آدم الأسماء كلها) قال: علمه اسم الصحفة والقدر وكل شئ. وأخرج ابن جرير عنه نحوه. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه في تفسير الآية قال: عرض عليه أسماء ولده إنسانا إنسانا والدواب، فقيل هذا الجمل هذا الحمل هذا الفرس. وأخرج الحاكم في تاريخه وابن عساكر والديلمي عن عطية بن بشر مرفوعا في قوله (واعلم آدم الأسماء كلها) قال: علم الله آدم في تلك الأسماء ألف حرفة من الحرف وقال له: قل لأولادك ولذريتك إن لم تصبروا عن الدنيا فاطلبوها بهذه الحرف ولا تطلبوها بالدين، فإن الدين لي وحدي خالصا، ويل لمن طلب الدنيا بالدين ويل له. وأخرج الديلمي عن أبي رافع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " مثلت لي أمتي في الماء والطين وعلمت الأسماء كلها كما علم آدم الأسماء كلها " وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في تفسير الآية قال: أسماء ذريته أجمعين (ثم عرضهم) قال: أخذهم من ظهره. وأخرج عن الربيع بن أنس قال: أسماء الملائكة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال: هي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس (ثم عرضهم) يعني عرض أسماء جميع الأشياء التي علمها آدم من أصناف الخلق. (فقال أنبؤني) يقول أخبروني (بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين) إن كنتم تعلمون أني لم أجعل في الأرض خليفة (قالوا سبحانك) تنزيها لله من أن يكون يعلم الغيب أحد غيره تبنا إليك (لا علم لنا) تبرءوا منهم من علم الغيب (لا ما علمتنا) كما علمت آدم. وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال:
عرض أصحاب الأسماء على الملائكة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله (إنك أنت العليم الحكيم) قال: