قوله (إن الله لا يظلم مثقال ذرة) المثقال مفعال من الثقل كالمقدار من القدر، وهو منتصب على أنه نعت لمفعول محذوف: أي لا يظلم شيئا مثقال ذرة. والذرة واحدة الذر. وهي النمل الصغار، وقيل رأس النملة، وقيل الذرة الخردلة، وقيل كل جزء من أجزاء الهباء الذي يظهر فيما يدخل من الشمس من كوة أو غيرها ذرة. والأول هو المعنى اللغوي الذي يجب حمل القرآن عليه. والمراد من الكلام أن الله لا يظلم كثيرا ولا قليلا: أي لا يبخسهم من ثواب أعمالهم ولا يزيد في عقاب ذنوبهم وزن ذرة فضلا عما فوقها. قوله (وإن تك حسنة يضاعفها) قرأ أهل الحجاز " حسنة " بالرفع. وقرأ من عداهم بالنصب، والمعنى على القراءة الأولى: إن توجد حسنة، على أن " كان " هي التامة لا الناقصة، وعلى القراءة الثانية: إن تك فعلته حسنة يضاعفها، وقيل إن التقدير: إن تك مثقال الذرة حسنة، وأنث ضمير المثقال لكونه مضافا إلى المؤنث والأول أولى. وقرأ الحسن (نضاعفها) بالنون، وقرأ الباقون بالياء، وهي الأرجح لقوله (ويؤت من لدنه أجرا عظيما) وقد تقدم الكلام في المضاعفة والمراد مضاعفة ثواب الحسنة قوله (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد) كيف منصوبة بفعل مضمر كما هو رأي سيبويه، أو محلها رفع على الابتداء كما هو رأي غيره، والإشارة بقوله (هؤلاء) إلى الكفار، وقيل إلى كفار قريش خاصة. والمعنى: فيكف يكون حال هؤلاء الكفار يوم القيامة إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا؟ وهذا الاستفهام معناه التوبيخ والتقريع (يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض) قرأ نافع وابن عامر (تسوى) بفتح التاء وتشديد السين، وقرأ حمزة والكسائي بفتح التاء وتخفيف السين، وقرأ الباقون بضم التاء وتخفيف السين.
والمعنى على القراءة الأولى والثانية: أن الأرض هي التي تسوى بهم: أي أنهم تمنوا لو انفتحت لهم الأرض فساخوا فيها، وقيل الباء في قوله (بهم) بمعنى على: أي تسوى عليهم الأرض. وعلى القراءة الثالثة الفعل مبني للمفعول:
أي لو سوى الله بهم الأرض فيجعلهم والأرض سواء حتى لا يبعثوا. قوله (ولا يكتمون الله حديثا) عطف على (يود) أي يومئذ يود الذين كفروا ويومئذ لا يكتمون الله حديثا ولا يقدرون على ذلك. قال الزجاج: قال بعضهم (لا يكتمون الله حديثا) مستأنف لأن ما عملوه ظاهر عند الله لا يقدرون على كتمانه. وقال بعضهم: هو معطوف.
والمعنى: يودون أن الأرض سويت بهم وأنهم لم يكتموا الله حديثا لأنه ظهر كذبهم.
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان كردم بن يزيد حليف كعب بن الأشرف وأسامة بن حبيب ونافع بن أبي نافع وبحري بن عمرو وحيي بن أخطب ورفاعة بن زيد بن التابوت يأتون رجالا من الأنصار يتنصحون لهم فيقولون: لا تنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر في ذهابها، ولا تسارعوا في النفقة فإنكم لا تدرون ما يكون؟ فأنزل الله فيهم (الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل) إلى قوله (وكان الله بهم عليما). وقد أخرج ابن أبي حاتم عنه أنها نزلت في اليهود. وأخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد. وأخرجه ابن جرير عن سعيد بن جبير. وأخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن ابن عباس (إن الله لا يظلم مثقال ذرة) قال: رأس نملة حمراء. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله (وإن تك حسنة) وزن ذرة زادت على سيئاته (يضاعفها) فأما المشرك فيخفف به عنه العذاب ولا يخرج من النار أبدا. وأخرج البخاري وغيره عن ابن مسعود قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " اقرأ علي قلت يا رسول الله آقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: نعم إني أحب أن أسمعه من غيري، فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) قال: حسبك الآن فإذا عيناه تذرفان ". وأخرجه الحاكم وصححه من حديث عمرو بن حريث.