الاعتراض أن يؤكد ما اعترض بينه، ويناسبه قوله (فريضة من الله) نصب على المصدر المؤكد، إذ معنى (يوصيكم) يفرض عليكم. وقال مكي وغيره: هي حال مؤكدة، والعامل يوصيكم. والأول أولى (إن الله كان عليما) بقسمة المواريث (حكيما) حكم بقسمتها وبينها لأهلها. وقال الزجاج (عليما) بالأشياء قبل خلقها (حكيما) فيما يقدره ويمضيه منها. قوله (ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد) الخطاب هنا للرجال. والمراد بالولد ولد الصلب أو ولد الولد لما قدمنا من الإجماع (فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن)، وهذا مجمع عليه لم يختلف أهل العلم في أن للزوج مع عدم الولد النصف ومع وجوده وإن سفل الربع. وقوله (من بعد وصية) الخ الكلام فيه كما تقدم. قوله (ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم) هذا النصيب مع الولد والنصيب مع عدمه تنفرد به الواحدة من الزوجات ويشترك فيه الأكثر من واحدة لا خلاف في ذلك، والكلام في الوصية والدين كما تقدم. قوله (وإن كان رجل يورث كلالة) المراد بالرجل الميت و (يورث) علي البناء للمفعول من ورث لا من أورث وهو خبر كان و (كلالة) حال من ضمير (يورث) أي يورث حال كونه ذا كلالة، أو على أن الخبر كلالة ويورث صفة لرجل: أي إن كان رجل يورث ذا كلالة ليس له ولد ولا والد، وقرئ (يورث) مخففا ومشددا فيكون كلالة مفعولا أو حالا، والمفعول محذوف: أي يورث، وأريد حال كونه ذا كلالة، أو يكون مفعولا له: أي لأجل الكلالة. والكلالة مصدر من تكلله النسب: أي أحاط به، وبه سمى الإكليل لإحاطته بالرأس. وهو الميت الذي لا ولد له ولا والد، هذا قول أبي بكر الصديق وعمر وعلي وجمهور أهل العلم، وبه قال صاحب كتاب العين وأبي منصور اللغوي وابن عرفة والقتيبي وأبو عبيد وابن الأنباري.
وقد قيل إنه إجماع. قال ابن كثير: وبه يقول أهل المدينة والكوفة والبصرة، وهو قول الفقهاء السبعة والأئمة الأربعة وجمهور الخلف والسلف بل جميعهم. وقد حكى الإجماع غير واحد، وورد فيه حديث مرفوع انتهى. وروى أبو حاتم والأثرم عن أبي عبيدة أنه قال: الكلالة كل من لم يرثه أب أو ابن أو أخ فهو عند العرب كلالة. قال أبو عمر ابن عبد البر: ذكر أبي عبيدة الأخ هنا مع الأب والابن في شرط الكلالة غلط لا وجه له، ولم يذكره في شرط الكلالة غيره، وما يروى عن أبي بكر وعمر من أن الكلالة من لا ولد له خاصة فقد رجعا عنه. وقال ابن زيد:
الكلالة: الحي والميت جميعا، وإنما سموا القرابة كلالة لأنهم أطافوا بالميت من جوانبه وليسوا منه ولا هو منهم، بخلاف الابن والأب فإنهما طرفان له، فإذا ذهبا تكلله النسب، وقيل إن الكلالة مأخوذة من الكلال وهو الإعياء فكأنه يصير الميراث إلى الوارث عن بعد وإعياء. وقال ابن الأعرابي: إن الكلالة بنو العم الأباعد. وبالجملة فمن قرأ (يورث كلالة) بكسر الراء مشددة وهو بعض الكوفيين أو مخففة، وهو الحسن وأيوب جعل الكلالة القرابة ومن قرأ (يورث) بفتح الراء وهم الجمهور احتمل أن يكون الكلالة الميت، واحتمل أن يكون القرابة. وقد روى عن علي وابن مسعود وزيد بن ثابت وابن عباس والشعبي أن الكلالة ما كان سوى الولد والوالد من الورثة. قال الطبري: الصواب أن الكلالة هم الذين يرثون الميت من عدا ولده ووالده، لصحة خبر جابر " فقلت: يا رسول الله إنما يرثني كلالة أفأوصي بمالي كله؟ قال لا " انتهى. وروى عن عطاء أنه قال: الكلالة المال. قال ابن العربي وهذا قول ضعيف لا وجه له. وقال صاحب الكشاف: إن الكلالة تنطلق على ثلاثة: على من لم يخلف ولدا ولا والدا، وعلى من ليس بولد ولا والد من المخلفين، وعلى القرابة من غير جهة الولد والوالد انتهى. قوله (أو امرأة) معطوف على رجل مقيد بما قيد به: أي أو امرأة تورث كلالة. قوله (وله أخ أو أخت) قرأ سعد بن أبي وقاص من أم، وسيأتي ذكر من أخرج ذلك عنه. قال القرطبي: أجمع العلماء أن الإخوة ها هنا هم الإخوة لأم قال: