ولا خلاف بين أهل العلم أن الإخوة للأب والأم أو للأب ليس ميراثهم هكذا، فدل إجماعهم على أن الإخوة المذكورين في قوله تعالى (وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين) هم الإخوة لأبوين أو لأب، وأفرد الضمير في قوله (وله أخ أو أخت) لأن المراد كل واحد منهما كما جرت بذلك عادة العرب إذا ذكروا اسمين مستويين في الحكم فإنهم قد يذكرون الضمير الراجع إليهما مفردا كما في قوله تعالى - واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة - وقوله - يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله -. وقد يذكرونه مثنى كما في قوله - إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما -. وقد قدمنا في هذا كلاما أطول من المذكور هنا. قوله (فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث) الإشارة بقوله " من ذلك " إلى قوله (وله أخ أو أخت) أي أكثر من الأخ المنفرد أو الأخت المنفردة بواحد، وذلك بأن يكون الموجود اثنين فصاعدا، ذكرين أو أنثيين أو ذكرا أو أنثى. وقد استدل بذلك على أن الذكر كالأنثى من الإخوة لأم، لأن عبد الله شرك بينهم في الثلث، ولم يذكر فضل الذكر على الأنثى كما ذكره في البنين والإخوة لأبوين أو لأب. قال القرطبي: وهذا إجماع. ودلت الآية على أن الإخوة لأم إذا استكملت بهم المسئلة كانوا أقدم من الأخوة لأبوين أو لأب، وذلك في المسئلة المسماة بالحمارية، وهي إذا تركت الميتة زوجا وأما وأخوين لأم وإخوة لأبوين، فإن للزوج النصف وللأم السدس وللأخوين لأم الثلث ولا شئ للإخوة لأبوين. ووجه ذلك أنه قد وجد الشرط الذي يرث عنده الإخوة من الأم وهو كون الميت كلالة، ويؤيد هذا الحديث " ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر " وهو في الصحيحين وغيرهما وقد قررنا دلالة الآية والحديث على ذلك في الرسالة التي سميناها " المباحث الدرية في المسألة الحمارية ". وفي هذه المسئلة خلاف بين الصحابة فمن بعدهم معروف. قوله (من بعد وصية يوصى بها أو دين) الكلام فيه كما تقدم.
قوله (غير مضار) أي يوصى حال كونه غير مضار لورثته بوجه من وجوه الضرار، كأن يقر بشئ ليس عليه أو يوصى بوصية لا مقصد له فيها إلا الإضرار بالورثة. أو يوصى لوارث مطلقا أو لغيره بزيادة على الثلث ولم تجزه الورثة، وهذا القيد أعني قوله (غير مضار) راجع إلى الوصية والدين المذكورين فهو قيد لهما، فما صدر من الإقرارات بالديون أو الوصايا المنهى عنها له، أو التي لا مقصد لصاحبها إلا المضارة لورثته فهو باطل مردود لا ينفد منه شئ، لا الثلث ولا دونه. قال القرطبي: وأجمع العلماء على أن الوصية للوارث لا تجوز انتهى. وهذا القيد أعني عدم الضرار هو قيد لجميع ما تقدم من الوصية والدين. قال أبو السعود في تفسيره: وتخصيص القيد بهذا المقام لما أن الورثة مظنة لتفريط الميت في حقهم. قوله (وصية من الله) نصب على المصدر: أي يوصيكم بذلك وصية من الله كقوله - فريضة من الله - قال ابن عطية: ويصح أن يعمل فيها مضار. والمعنى: أن يقع الضرر بها أو بسببها فأوقع عليها تجوزا، فتكون وصية على هذا مفعولا بها، لأن الاسم الفاعل قد اعتمد على ذي الحال أو لكونه منفيا معنى، وقرأ الحسن (وصية من الله) بالجر على إضافة اسم الفاعل إليها كقوله يا سارق الليلة أهل الدار.
وفي كون هذه الوصية من الله سبحانه دليل على أنه قد وصى عباده بهذه التفاصيل المذكورة الفرائض، وأن كل وصية من عباده تخالفها فهي مسبوقة بوصية الله، وذلك كالوصايا المتضمنة لتفضيل بعض الورثة على بعض أو المشتملة على الضرار بوجه من الوجوه، والإشارة بقوله (تلك) إلى الأحكام المتقدمة وسماها حدودا لكونها لا تجوز مجاوزتها ولا يحل تعديها (ومن يطع الله ورسوله) في قسمة المواريث وغيرها من الأحكام ا لشرعية كما يفيده عموم اللفظ (ندخله جنات تجري من تحتها الأنهار) وهكذا قوله (ومن يعص الله ورسوله) قرأ نافع وابن عامر (ندخله) بالنون. وقرأ الباقون بالياء التحتية. قوله (وله عذاب مهين) أي وله بعد إدخاله النار عذاب