هو من جملة الميراث حتى يقال إنها منسوخة بآية المواريث، إلا أن يقولوا إن أولي القربى المذكورين هنا هم الوارثون كان للنسخ وجه. وقالت طائفة: إن هذا الرضخ لغير الوارث من القرابة واجب بمقدار ما تطيب به أنفس الورثة وهو معنى الأمر الحقيقي فلا يصار إلى الندب إلا لقرينة، والضمير في قوله (منه) راجع إلى المال المقسوم المدلول عليه بالقسمة، وقيل راجع إلى ما ترك. والقول المعروف: هو القول الجميل الذي ليس فيه من بما صار إليهم من الرضخ ولا أذى. قوله: وليخش الذين لو تركوا هم الأوصياء كما ذهب إليه طائفة من المفسرين، وفيه وعظ لهم بأن يفعلوا باليتامى الذين في حجورهم ما يحبون أن يفعل بأولادهم من بعدهم، وقالت طائفة: المراد جميع الناس أمروا باتقاء الله في الأيتام وأولاد الناس وإن لم يكونوا في حجورهم، وقال آخرون: إن المراد بهم من يحضر الميت عند موته، وأمروا بتقوى الله، وبأن يقولوا للمحتضر قولا سديدا من إرشادهم إلى التخلص عن حقوق الله وحقوق بني آدم، وإلى الوصية بالقرب المقربة إلى الله سبحانه، وإلى ترك التبذير بماله وإحرام ورثته كما يخشون على ورثتهم من بعدهم لو تركوهم فقراء عالة يتكففون الناس، وقال ابن عطية: الناس صنفان يصلح لأحدهما أن يقال له عند موته ما لا يصلح للآخر، وذلك أن الرجل إذا ترك ورثته مستقلين بأنفسهم أغنياء حسن أن يندب إلى الوصية، ويحمل على أن يقدم لنفسه، وإذا ترك ورثة ضعفاء مفلسين حسن أن يندب إلى الترك لهم والاحتياط، فإن أجره في قصد ذلك كأجره في المساكين. قال القرطبي: وهذا التفصيل صحيح. قوله (لو تركوا) صلة الموصول، والفاء في قوله (فليتقوا) لترتيب ما بعدها على ما قبلها، والمعنى: وليخش الذين صفتهم وحالهم أنهم لو شارفوا أن يتركوا خلفهم ذرية ضعافا، وذلك عند احتضارهم خافوا عليهم الضياع بعدهم لذهاب كافلهم وكاسبهم، ثم أمرهم بتقوى الله، والقول السديد للمحتضرين، أو لأولادهم من بعدهم على ما سبق قوله. (إن الذين يأكلون أموال اليتامى) استئناف يتضمن النهي عن ظلم الأيتام من الأولياء والأوصياء وانتصاب قوله (ظلما) على المصدرية: أي أكل ظلم، أو على الحالية: أي ظالمين لهم وقوله (إنما يأكلون في بطونهم نارا) أي ما يكون سببا للنار، تعبيرا بالمسبب عن السبب. وقد تقدم تفسير مثل هذه الآية. وقوله (وسيصلون) قراءة عاصم وابن عامر بضم الياء على ما لم يسم فاعله. وقرأ أبو حيوة بضم الياء وفتح الصاد وتشديد اللام من التصلية بكثرة الفعل مرة بعد أخرى. وقرأ الباقون بفتح الياء من صلى النار يصلاها، والصلي هو التسخن بقرب النار أو مباشرتها، ومنه قول الحارث بن عباد:
لم أكن من جناتها علم الله * وإني لحرها اليوم صالي والسعير: الجمر المشتعل.
وقد أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية لا يورثون البنات ولا الصغار حتى يدركوا، فمات رجل من الأنصار يقال له أوس بن ثابت وترك ابنتين وابنا صغيرا، فجاء ابنا عمه وهما عصبته إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخذا ميراثه كله، فجاءت امرأته إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنزلت الآية، فأرسل إليهما رسول الله فقال: لا تحركا من الميراث شيئا، فإنه قد أنزل علي شئ احترت إن فيه إن للذكر والأنثى نصيبا، ثم نزل بعد ذلك (ويستفتونك في النساء)، ثم نزل (يوصيكم الله في أولادكم) فدعا بالميراث، فأعطى المرأة الثمن، وقسم ما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في الآية قال: نزلت في أم كلثوم ابنة أم كحلة أو أم كحة وثعلبة بن أوس وسويد وهم من الأنصار، كان أحدهم زوجها والآخر عم ولدها، فقالت: يا رسول الله توفي زوجي وتركني وابنته فلم نورث من ماله، فقال عم ولدها: يا رسول الله لا يركب فرسا ولا ينكى عدوا ويكسب عليها ولا يكتسب، فنزلت. وأخرج البخاري وغيره عن ابن عباس في قوله تعالى (وإذا حضر القسمة) قال: هي محكمة وليست بمنسوخة. وأخرج ابن أبي