ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس أيضا في تفسير الآية: أنهم قد كفروا بما عندهم من ذكرك، وجحدوا ما أخذ عليهم من الميثاق، فكيف يسمعون منك إنذارا وتحذيرا، وقد كفروا بما عندهم من علمك (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة). وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله (إن الذين كفروا) قال: نزلت هاتان الآيتان في قادة الأحزاب، وهم الذين ذكرهم الله في هذه الآية - ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا - قال: فهم الذين قتلوا يوم بدر، ولم يدخل القادة في الإسلام إلا رجلان:
أبو سفيان، والحكم بن العاص. وأخرج ابن المنذر عن السدي في قوله (أأنذرتهم أم لم تنذرهم) قال: أو عظتهم أم لم تعظهم. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في هذه الآية قال: أطاعوا الشيطان فاستحوذ عليهم، فخيم الله عليه قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة فهم لا يبصرون هدى، ولا يسمعون ولا يفقهون ولا يعقلون. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن عباس، قال: الختم على قلوبهم وعلى سمعهم والغشاوة على أبصارهم. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال: ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم فلا يعقلون ولا يسمعون، وجعل على أبصارهم:
يعني أعينهم غشاوة فهم لا يبصرون. وروى ذلك السدي عن جماعة من الصحابة. وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: الختم على القلب والسمع، والغشاوة على البصر، قال الله تعالى - فإن يشأ الله يختم على قلبك - وقال - وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة -. قال ابن جرير في معنى الختم: والحق عندي في ذلك ما صح نظيره عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم ذكر إسنادا متصلا بأبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " إن المؤمن إذا أذنب ذنبا كان نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستعتب صقل قلبه، وإن زاد زادت حتى تغلق قلبه " فذلك الران الذي قال الله - كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون - ". وقد رواه من هذا الوجه الترمذي وصححه والنسائي. ثم قال ابن جرير: فأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الذنوب إذا تتابعت على القلوب أغلقتها، وإذا أغلقتها أتاها حينئذ الختم من قبل الله سبحانه والطبع فلا يكون إليها مسلك ولا للكفر منها مخلص، فذلك هو الختم الذي أذكره الله في قوله (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم) نظير الطبع والختم على ما تدركه الأبصار من الأوعية والظروف التي لا يوصل إلى ما فيها إلا بفض ذلك عنها ثم حلها، فذلك لا يصل الإيمان إلى قلوب من وصف الله أنه ختم على قلوبهم إلا بعد فض خاتمه، وحل رباطه عنها.
ذكر سبحانه في أول هذه السورة المؤمنين الخلص، ثم ذكر بعدهم الكفرة الخلص، ثم ذكر ثالثا المنافقين وهم الذين لم يكونوا من إحدى الطائفتين، بل صاروا فرقة ثالثة لأنهم وافقوا في الظاهر الطائفة الأولى وفي الباطن الطائفة الثانية، ومع ذلك فهم أهل الدرك الأسفل من النار. وأصل ناس أناس حذفت همزته تخفيفا، وهو من النوس وهو الحركة، يقال: ناس ينوس: أي تحرك، وهو من أسماء الجموع جمع إنسان وإنسانة على غير لفظه، واللام الداخلة عليه للجنس، ومن تبعيضية: أي بعض الناس، ومن موصوفة: أي ومن الناس ناس يقول.
والمراد باليوم الآخر: الوقت الذي لا ينقطع، بل هو دائم أبدا. والخداع في أصل اللغة: الفساد، حكاه ثعلب عن ابن الأعرابي، وأنشد: