لا تدخلنك ضجرة من سائل * فلخير دهرك أن ترى مسؤولا لا تجبهن بالرد وجه مؤمل * فبقاء عزك أن ترى مأمولا والمراد بالمغفرة الستر للخلة، وسوء حالة المحتاج، والعفو عن السائل إذا صدر منه من الإلحاح ما يكدر صدر المسؤول، وقيل المراد: أن العفو من جهة السائل، لأنه إذا رده ردا جميلا عذره، وقيل المراد: فعل يؤدى إلى المغفرة خير من صدقة: أي غفران الله خير من صدقتكم. وهذه الجملة مستأنفة مقررة لترك اتباع المن والأذى للصدقة. قوله (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى) الإبطال للصدقات: إذهاب أثرها وإفساد منفعتها: أي لا تبطلوها بالمن والأذى أو بأحدهما. قوله (كالذي) أي إبطالا كإبطال الذي على أنه نعت لمصدر محذوف، ويجوز أن يكون حالا: أي لا تبطلوا مشابهين للذي ينفق ماله رئاء الناس، وانتصاب رئاء على أنه علة لقوله (ينفق) أي لأجل الرياء أو حال أي ينفق مرائيا لا يقصد بذلك وجه الله وثواب الآخرة، بل يفعل ذلك رياء للناس استجلابا لثنائهم عليه ومدحهم له، قيل والمراد به المنافق بدليل قوله (ولا يؤمن بالله واليوم الآخر). قوله (فمثله كمثل صفوان) الصفوان الحجر الكبير الأملس. وقال الأخفش: صفوان جمع صفوانة. وقال الكسائي:
صفوان واحد وجمعه صفي وأصفى، وأنكره المبرد. وقال النحاس: يجوز أن يكون جمعا ويجوز أن يكون واحدا وهو أولى لقوله (عليه تراب فأصابه وابل) والوابل المطر الشديد، مثل الله سبحانه هذا المنفق بصفوان عليه تراب يظنه الظان أرضا منبتة طيبة، فإذا أصابه وابل من المطر أذهب عنه التراب وبقي صلدا: أي أجرد نقيا من التراب الذي كان عليه، فكذلك هذا المرائي فإن نفقته لا تنفعه كما لا ينفع المطر الواقع على الصفوان الذي عليه تراب قوله (لا يقدرون على شئ مما كسبوا) أي لا ينتفعون بما فعلوه رياء ولا يجدون له ثوابا، والجملة مستأنفة كأنه قيل:
ماذا يكون حالهم حينئذ؟ فقيل: لا يقدرون الخ، والضميران للموصول: أي كالذي باعتبار المعنى كما في قوله تعالى - وخضتم كالذي خاضوا - أي الجنس أو الجمع أو الفريق. قوله (ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم) قيل إن قوله (ابتغاء مرضات الله) مفعول له، وتثبيتا معطوف عليه، وهو أيضا مفعول له:
أي الإنفاق لأجل الابتغاء. والتثبيت كذا قال مكي في المشكل. قال ابن عطية: وهو مردود لا يصح في تثبيتا أنه مفعول من أجله، لأن الإنفاق ليس من أجل التثبيت. قال: وابتغاء نصب على المصدر في موضع الحال، وكان يتوجه فيه النصب على المفعول من أجله، لكن النصب على المصدر هو الصواب من جهة عطف المصدر الذي هو تثبيتا عليه، وابتغاء معناه طلب، ومرضات مصدر رضي يرضى، وتثبيتا معناه: أنهم يتثبتون من أنفسهم ببذل أموالهم على الإيمان وسائر العبادات رياضة لها وتدريبا وتمرينا، أو يكون التثبيت بمعنى التصديق: أي تصديقا للإسلام ناشئا من جهة أنفسهم. وقد اختلف السلف في معنى هذا الحرف، فقال الحسن ومجاهد: معناه أنهم يتثبتون أن يضعوا صدقاتهم، وقيل معناه تصديقا ويقينا، روى ذلك عن ابن عباس، وقيل معناه احتسابا من أنفسهم، قاله قتادة، وقيل معناه أن أنفسهم لها بصائر فهي تثبتهم على الإنفاق في طاعة الله تثبيتا. قاله الشعبي والسدي وابن زيد وأبو صالح وهذا أرجح مما قبله. يقال ثبت فلانا في هذا الأمر أثبته تثبيتا: أي صححت عزمه قوله (كمثل جنة بربوة أصابها وابل) الجنة: البستان، وهي أرض تنبت فيها الأشجار حتى تغطيها، مأخوذة من لفظ الجن والجنين لاستتارها. والربوة: المكان المرتفع ارتفاعا يسيرا، وهي مثلثة الراء، وبها قرئ، وإنما خص الربوة لأن نباتها يكون أحسن من غيره، مع كونه لا يصطلمه البرد في الغالب للطاقة هوائه بهبوب الرياح الملطفة له قال الطبري: وهي رياض الحزن التي تستشكر العرب من ذكرها. واعترضه ابن عطية فقال إن رياض الحزن