قوله (كمثل حبة) لا يصح جعل هذا خبرا عن قوله (مثل الذين ينفقون) لاختلافهما فلا بد من تقدير محذوف إما في الأول: أي مثل نفقة الذين ينفقون، أو في الثاني: أي كمثل زارع حبة، والمراد بالسبع السنابل هي التي تخرج في ساق واحد يتشعب منه سبع شعب في كل شعبة سنبلة، والحبة اسم لكل ما يزدرعه ابن آدم، ومنه قول المتلمس:
آليت حب العراق الدهر أطعمه * والحب يأكله في القرية السوس قيل المراد بالسنابل هنا سنابل الدخن، فهو الذي يكون في السنبلة منه هذا العدد. وقال القرطبي: إن سنبل الدخن يجئ في السنبلة منه أكثر من هذا العدد بضعفين وأكثر على ما شاهدنا. قال ابن عطية: وقد يوجد في سنبل القمح ما فيه مائة حبة، وأما في سائر الحبوب فأكثر، ولكن المثال وقع بهذا القدر. وقال الطبري: إن قوله (في كل سنبلة مائة حبة) معناه إن وجد ذلك وإلا فعلى أن تفرضه. قوله (والله يضاعف لمن يشاء) يحتمل أن يكون المراد يضاعف هذه المضاعفة لمن يشاء أو يضاعف هذا العدد، فيزيد عليه أضعافه لمن يشاء وهذا هو الراجح لما سيأتي. وقد ورد القرآن بأن الحسنة بعشر أمثالها، واقتضت هذه الآية بأن نفقة الجهاد حسنتها بسبعمائة ضعف فيبني العام على الخاص، وهذا بناء على أن سبيل الله هو الجهاد فقط، وأما إذا كان المراد به وجوه الخير فيخص هذا التضعيف إلى سبعمائة بثواب النفقات وتكون العشرة الأمثال فيما عدا ذلك. قوله (الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله) هذه الجملة متضمنة لبيان كيفية الإنفاق الذي تقدم، أي هو إنفاق الذين ينفقون ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى. والمن هو ذكر النعمة على معنى التعديد لها والتقريع بها، وقيل المن: التحدث بما أعطى حتى يبلغ ذلك المعطى فيؤذيه، والمن من الكبائر كما ثبت في صحيح مسلم وغيره أنه أحد الثلاثة الذين لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب عظيم. والأذى: السب والتطاول والتشكي. قال في الكشاف: ومعنى " ثم " إظهار التفاوت بين الإنفاق وترك المن والأذى: وإن تركهما خير من نفس الإنفاق، كما جعل الاستقامة على الإيمان خيرا من الدخول فيه بقوله - ثم استقاموا - انتهى. وقدم المن على الأذى لكثرة وقوعه ووسط كلمة (لا) للدلالة على شمول النفي. وقوله (عند ربهم) فيه تأكيد وتشريف. وقوله (ولا خوف عليهم) ظاهرة نفي الخوف عنهم في الدارين لما تفيده النكرة الواقعة في ساق النفي من الشمول، وكذلك (ولاهم يحزنون) يفيد دوام انتفاء الحزن عنهم. قوله (قول معروف ومغفرة) قيل الخبر محذوف: أي أولى وأمثل، ذكره النحاس. قال: ويجوز أن يكون خبرا عن مبتدأ محذوف: أي الذي أمرتم به قول معروف. وقوله (ومغفرة) مبتدأ أيضا وخبره قوله (خير من صدقة) وقيل إن قوله " خير " خبر عن قوله " قول معروف " وعن قوله " ومغفرة " وجاز الابتداء بالنكرتين لأن الأولى تخصصت بالوصف، والثانية بالعطف، والمعنى: أن القول المعروف من المسؤول للسائل وهو التأنيس والترجية بما عند الله، والرد الجميل خير من الصدقة التي يتبعها أذى. وقد ثبت في صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وآله وسلم " الكلمة الطيبة صدقة، وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق " وما أحسن ما قاله ابن دريد: