تفرقت أجزاؤه، ونخرت عظامه ثم أحياه الله وعاد كما كان. وقال الضحاك ووهب بن منبه: انظر إلى حمارك قائما في مربطه لم يصبه شئ بعد أن مضت عليه مائة عام، ويؤيد القول الأول قوله تعالى (وانظر إلى العظام كيف ينشزها) ويؤيد القول الثاني مناسبته لقوله (فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه) وإنما ذكر سبحانه عدم تغير طعامه وشرابه بعد إخباره أنه لبث مائة عام، مع أن عدم تغير ذلك الطعام والشراب لا يصلح أن يكون دليلا على تلك المدة الطويلة، بل على ما قاله من لبثه يوما أو بعض يوم لزيادة استعظام ذلك الذي أماته الله تلك المدة، فإنه إذا رأى طعامه وشرابه لم يتغير مع كونه قد ظن أنه لم يلبث إلا يوما أو بعض يوم زادت الحيرة وقويت عليه الشبهة، فإذا نظر إلى حماره عظاما نخرة تقرر لديه أن ذلك صنع من تأتى قدرته بما لا تحيط به العقول، فإن الطعام والشراب سريع التغير. وقد بقي هذه المدة الطويلة غير متغير، والحمار يعيش المدة الطويلة. وقد صار كذلك - فتبارك الله أحسن الخالقين -. قوله (ولنجعلك آية للناس) قال الفراء: إنه أدخل الواو في قوله (ولنجعلك) دلالة على أنها شرط لفعل بعدها، معناه: ولنجعلك آية الناس ودلالة على البعث بعد الموت جعلنا ذلك. وإن شئت جعلت الواو مقحمة زائدة. قال الأعمش: موضع كونه آية هو أنه جاء شبابا على حاله يوم مات، فوجد الأبناء والحفدة شيوخا. قوله " وانظر إلى العظام كيف ننشرها " قرأ الكوفيون وابن عامر بالزاي والباقون بالراء. وروى أبان عن عاصم " ننشرها " بفتح النون الأولى وسكون الثانية وضم الشين والراء. وقد أخرج الحاكم وصححه عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قرأ " كيف ننشزها " بالزاي. فمعنى القراءة بالزاي نرفعها، ومنه النشر: وهو المرتفع من الأرض: أي يرفع بعضها إلى بعض. وأما معنى القراءة بالراء المهملة فواضحة من أنشر الله الموتى: أي أحياهم وقوله (ثم نكسوها لحما) أي نسترها به كما نستر الجسد باللباس فاستعار اللباس لذلك، كما استعاره النابغة للإسلام فقال: الحمد لله إذ لم يأتني أجلي * حتى اكتسيت من الإسلام سربالا قوله (فلما تبين له) أي ما تقدم ذكره من الآيات التي أراه الله سبحانه وأمره بالنظر إليها والتفكير فيه (قال أعلم أن الله على كل شئ قدير) لا يستعصى عليه شئ من الأشياء. قال ابن جرير: المعنى في قوله (فلما تبين له) أي لما اتضح له عيانا ما كان مستنكرا في قدرة الله عنده قبل عيانه (قال أعلم) وقال أبو علي الفارسي معناه:
أعلم أن هذا الضرب من العلم الذي لم أكن علمته. وقرأ حمزة والكسائي (قال أعلم) على لفظ الأمر خطابا لنفسه على طريق التجريد.
وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن علي في قوله " أو كالذي مر على قرية) قال: خرج عزيز نبي الله من مدينته وهو شاب، فمر على قرية خربة وهي خاوية على عروشها، فقال (أنى يحيى هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه) فأول ما خلق الله عيناه فجعل ينظر إلى عظامه ينضم بعضها إلى بعض، ثم كسيت لحما، ثم نفخ فيه الروح، فقيل له (كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام) فأتى مدينته. وقد ترك جارا له إسكافا شابا فجاء وهو شيخ كبير. وقد ورد عن جماعة من السلف أن الذي أماته الله عزير، منهم ابن عباس عند ابن جرير وابن عساكر، ومنهم عبد الله بن سلام عند الخطيب وابن عساكر، ومنهم عكرمة وقتادة وسليمان وبريدة والضحاك والسدي عند ابن جرير، ورود عن جماعة آخرين أن الذي أماته الله هو نبي اسمه أرمياء، فمنهم عبد الله بن عبيد بن عمير عند عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، ومنهم وهب ابن منبه عند عبد الرزاق وابن جرير وأبي الشيخ. وأخرج ابن إسحاق عنه أيضا أنه الخضر. وأخرج ابن أبي حاتم عن رجل من أهل الشام أنه حزقيل. وروى ابن كثير عن مجاهد أنه رجل من بني إسرائيل. والمشهور القول الأول