قدره جليلا خطره. وقرأ الزهري ويعقوب " ومن يؤتى الحكمة " على البناء للفاعل وقرأه الجمهور على البناء للمفعول والألباب: العقول، واحدها لب، وقد تقدم الكلام فيه. قوله (وما أنفقتم من نفقة) ما شرطية ويجوز أن تكون موصولة، والعائد محذوف: أي الذي أنفقتموه، وهذا بيان لحكم عام يشمل كل صدقة مقبولة وغير مقبولة وكل نذر مقبول أو غير مقبول. وقوله (فإن الله يعلمه) فيه معنى الوعد لمن أنفق ونذر على الوجه المقبول، والوعيد لمن جاء بعكس ذلك. ووحد الضمير مع كون مرجعه شيئين، هما النفقة والنذر، لأن التقدير: وما أنفقتم من نفقة فإن الله يعلمها، أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه، ثم حذف أحدهما استغناء بالآخر، قاله النحاس، وقيل إن ما كان العطف فيه بكلمة " أو " كما في قولك: زيد أو عمرو، فإنه يقال أكرمته ولا يقال أكرمتهما، والأولى أن يقال إن العطف بأو يجوز فيه الأمران توحيد الضمير كما في هذه الآية، وفي قوله تعالى - وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها -. وقوله - ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا -، وتثنيته كما في قوله تعالى (إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما) ومن الأول في العطف بالواو قول امرئ القيس:
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها * لما نسجته من جنوب وشمأل ومنه قول الشاعر:
نحن بما عندنا وأنت بما * عندك راض والرأي مختلف ومنه - والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها - وقيل إنه إذا وحد الضمير بعد ذكر شيئين أو أشياء فهو بتأويل المذكور: أي فإن الله يعلم المذكور، وبه جزم ابن عطية ورجحه القرطبي وذكر معناه كثير من النحاة في مؤلفاتهم. قوله (وما للظالمين من أنصار) أي ما الظالمين أنفسهم بما وقعوا فيه من الإثم لمخالفة ما أمر الله به من الإنفاق في وجوه الخير من أنصار ينصرونهم يمنعونهم من عقاب الله بما ظلموا به أنفسهم والأولى الحمل على العموم من غير تخصيص لما يفيده السياق: أي ما الظالمين بأي مظلمة كانت من أنصار. قوله (إن تبدوا الصدقات فنعما هي) قرئ بفتح النون وكسر العين وبكسرهما وبكسر النون وسكون العين وبكسر النون وإخفاء حركة العين. وقد حكى النحويون في " نعم " أربع لغات، وهي هذه التي قرئ بها، وفي هذا نوع تفصيل لما أجمل في الشرطية المتقدمة: أي إن تظهروا الصدقات فنعم شيئا إظهارها، وإن تخفوها وتصيبوا بها مصارفها من الفقراء فالإخفاء خير لكم. وقد ذهب جمهور المفسرين إلى أن هذه الآية في صدقة التطوع لا في صدقة الفرض قال فضيلة للإخفاء فيها بل قد قيل إن الإظهار فيها أفضل، وقالت طائفة: إن الإخفاء أفضل في الفرض والتطوع. قوله (ويكفر عنكم من سيئاتكم) قرأ أبو عمرو وابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر وقتادة وابن إسحاق نكفر بالنون والرفع. وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية حفص بالياء والرفع. وقرأ الأعمش ونافع وحمزة والكسائي بالنون والجزم وقرأ ابن عباس بالتاء الفوقية وفتح الفاء والجزم. وقرأ الحسين بن علي الجعفي بالنون ونصب الراء. فمن قرأ بالرفع فهو معطوف على محل الجملة الواقعة جوابا بعد الفاء، أو على أنه خبر مبتدأ محذوف. ومن قرأ بالجزم فهو معطوف على الفاء وما بعدها. ومن قرأ بالنصب فعلى تقدير أن. قال سيبويه: والرفع ها هنا الوجه الجيد، وأجاز الجزم بتأويل وإن تخفوها يكن الإخفاء خيرا لكم ويكفر، وبمثل قول سيبويه قال الخليل. ومن في قوله (من سيئاتكم) للتبعيض: أي شيئا من سيئاتكم. وحكى الطبري عن فرقة أنها زائدة، وذلك على رأي الأخفش. قال ابن عطية: وذلك منهم خطأ.
وقد أخرج ابن جرير عن علي بن أبي طالب في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم)