للدلالة على أن هذا التقدير تحقيقي لا تقريبي. وقوله (لمن أراد أن يتم الرضاعة) أي ذلك لمن أراد أن يتم الرضاعة، وفيه دليل على أن إرضاع الحولين ليس حتما، بل هو التمام، ويجوز الاقتصار على ما دونه. وقرأ مجاهد وابن محيصن " لمن أراد أن تتم " بفتح التاء ورفع الرضاعة على إسناد الفعل إليها. وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة والجارود ابن أبي سبرة بكسر الراء من الرضاعة وهي لغة. وروى عن مجاهد أنه قرأ الرضعة، وقرأ ابن عباس " لمن أراد أن يكمل الرضاعة ". قال النحاس: لا يعرف البصريون الرضاعة إلا بفتح الراء. وحكى الكوفيون جواز الكسر. والآية تدل على وجوب الرضاع على الأم لولدها، وقد حمل ذلك على ما إذا لم يقبل الرضيع غيرها. قوله (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن) أي على الأب الذي يولد له، وآثر هذا اللفظ دون قوله: وعلى الوالد للدلالة على أن الأولاد للآباء لا للأمهات، ولهذا ينسبون إليهم دونهن كأنهن إنما ولدن لهم فقط، ذكر معناه في الكشاف، والمراد بالرزق هنا: الطعام الكافي المتعارف به بين الناس، والمراد بالكسوة: ما يتعارفون به أيضا، وفي ذلك دليل على وجوب ذلك على الآباء للأمهات المرضعات. وهذا في المطلقات، وأما غير المطلقات فنفقتهن وكسوتهن واجبة على الأزواج من غير إرضاعهن لأولادهن. وقوله (لا تكلف نفس إلا وسعها) هو تقييد لقوله (بالمعروف) أي هذه النفقة والكسوة الواجبتان على الأب بما يتعارفه الناس لا يكلف منها إلا ما يدخل تحت وسعه وطاقته لا ما يشق عليه ويعجز عنه، وقيل المراد لا تكلف المرأة الصبر على التقتير في الأجرة، ولا يكلف الزوج ما هو إسراف، بل يراعى القصد. قوله (لا تضار) قرأ أبو عمرو وابن كثير وجماعة ورواه أبان عن عاصم بالرفع على الخبر، وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي وعاصم في المشهور عنه " تضار " بفتح الراء المشددة على النهي، وأصله لا تضارر أو لا تضارر على البناء للفاعل أو المفعول: أي لا تضارر الأب بسبب الولد بأن تطلب منه ما لا يقدر عليه من الرزق والكسوة، أو بأن تفرط في حفظ الولد والقيام بما يحتاج إليه، أو لا تضارر من زوجها بأن يقصر عليها في شئ مما يجب عليه أو ينتزع ولدها منها بلا سبب، وهكذا قراءة الرفع تحتمل الوجهين، وقرأ عمر ابن الخطاب " لا تضارر " على الأصل بفتح الراء الأولى، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع " لا تضار " بإسكان الراء وتخفيفها، وروى عنه الاسكان والتشديد، وقرأ الحسن وابن عباس " لا تضارر " بكسر الراء الأولى، ويجوز أن تكون الباء في قوله بولده صلة لقوله تضار على أنه بمعنى تضر: أي لا تضر والدة بولدها فتسئ تربيته أو تقصر في غذائه، وأضيف الولد تارة إلى الأب وتارة إلى الأم، لأن كل واحد منهما يستحق أن ينسب إليه مع ما في ذلك من الاستعطاف، وهذه الجملة تفصيل للجملة التي قبلها وتقرير لها: أي لا يكلف كل واحد منهما الآخر ما لا يطيقه فلا تضاره بسبب ولده. قوله (وعلى الوارث) هو معطوف على قوله (وعلى المولود له) وما بينهما تفسير للمعروف، أو تعليل له معترض بين المعطوف والمعطوف عليه. واختلف أهل العلم في معنى قوله (وعلى الوارث مثل ذلك) فقيل هو وارث الصبي: أي إذا مات المولود له كان على وارث هذا الصبي المولود إرضاعه كما كان يلزم أباه ذلك، قاله عمر بن الخطاب وقتادة والسدي والحسن ومجاهد وعطاء وأحمد وإسحاق وأبو حنيفة وابن أبي ليلى على خلاف بينهم، هل يكون الوجوب على من يأخذ نصيبا من الميراث، أو على الذكور فقط، أو على كل ذي رحم له وإن لم يكن وارثا منه، وقيل المراد بالوارث وارث الأب تجب عليه نفقه المرضعة وكسوتها بالمعروف، قاله الضحاك. وقال مالك في تفسير هذه الآية بمثل ما قاله الضحاك، ولكنه قال: إنها منسوخة، وإنها لا تلزم الرجل نفقة أخ ولا ذي قرابة ولا ذي رحم منه، وشرطه الضحاك بأن لا يكون للصبي مال، فإن كان له مال أخذت أجرة رضاعه من ماله. وقيل المراد بالوارث المذكور في الآية هو الصبي نفسه: أي عليه من ماله
(٢٤٥)