هو بمزحزحه) فقيل هو راجع إلى أحدهم، والتقدير: وما أحدهم بمزحزحه من العذاب أن يعمر، وعلى هذا يكون قوله (أن يعمر) فاعلا لمزحزحه، وقيل هو لما دل عليه يعمر من مصدره: أي وما التعمير بمزحزحه، ويكون قوله " أن يعمر " بدلا منه. وحكى الطبري عن فرقة أنها قالت: هو عماد، وقيل هو ضمير الشأن، وقيل " ما " هي الحجازية والضمير اسمها وما بعده خبرها والأول أرجح، وكذلك الثاني والثالث ضعيف جدا لأن العماد لا يكون إلا بين شيئين، ولهذا يسمونه ضمير الفصل، والرابع فيه أن ضمير الشأن يفسر بجملة سالمة عن حرف جر كما حكاه ابن عطية عن النحاة. والزحزحة: التنحية، يقال زحزحته فتزحزح: أي نحيته فتنحى وتباعد، ومنه قول ذي الرمة:
يا قابض الروح عن جسم عصى زمنا * وغافر الذنب زحزحني عن النار والبصير: العالم بالشيء الخبير به، ومنه قولهم: فلان بصير بكذا: أي خبير به، ومنه قول الشاعر:
فإن تسألوني بالنساء فإنني * بصير بأدواء النساء طبيب وقد أخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة في قوله (وأشربوا في قلوبهم العجل) قال: أشربوا حبه حتى خلص ذلك إلى قلوبهم. وأخرج ابن جرير عن أبي العالية أن اليهود لما قالوا (لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى) الآية، نزل قوله تعالى (قل إن كانت لكم الدار الآخرة) الآية. وأخرج ابن جرير مثله عن قتادة.
وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عباس أن قوله (خالصة من دون الناس) يعني المؤمنين (فتمنوا الموت) فقال لهم رسول الله: " إن كنتم في مقالتكم صادقين فقولوا: اللهم أمتنا، فوالذي نفسي بيده لا يقولها رجل منكم إلا غص بريقه فمات مكانه ". وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (فتمنوا الموت) أي ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب، فأبوا ذلك، ولو تمنوه يوم قال ذلك ما بقي على الأرض يهودي إلا مات. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وأبو نعيم عنه قال: " لو تمنى اليهود الموت لماتوا. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه نحوه. وأخرج البخاري وغيره من حديثه مرفوعا: " لو أن اليهود تمنوا لماتوا ولرأوا مقاعدهم من النار ". وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عنه في قوله (ولتجدنهم أحرص الناس على حياة) قال:
اليهود (ومن الذين أشركوا) قال: وذلك أن المشركين لا يرجون بعثا بعد الموت فهو يحب طول الحياة، وأن اليهودي قد عرف ماله من الخزي بما ضيع ما عنده من العلم (وما هو بمزحزحه) قال: بمنحيه. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والحاكم عنه في قوله (يود أحدهم لو يعمر ألف سنة) قال: هو قول الأعاجم إذا عطس أحدهم " ذه هزار سال " يعني عش ألف سنة.
هذه الآية قد أجمع المفسرون على أنها نزلت في اليهود. قال ابن جرير الطبري: وأجمع أهل التأويل جميعا أن هذه الآية نزلت جوابا على اليهود إذ زعموا أن جبريل عدو لهم، وأن ميكائيل ولي لهم. ثم اختلفوا ما كان سبب قولهم ذلك؟ فقال بعضهم: إنما كان سبب قيلهم ذلك من أجل مناظرة جرت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه