على غير ذلك المنصوص عليه، وقيل ليس للسحر تأثير في نفسه أصلا لقوله تعالى (وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله) والحق أنه لا تنافى بين قوله (فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه) وبين قوله (وما هم بضارين به من أحد (إلا بإذن الله) فإن المستفاد من جميع ذلك أن للسحر تأثيرا في نفسه، ولكنه لا يؤثر ضررا إلا فيمن أذن الله بتأثيره فيه. وقد أجمع أهل العلم على أن له تأثيرا في نفسه وحقيقة ثابتة، ولم يخالف في ذلك إلا المعتزلة وأبو حنيفة كما تقدم، وقوله (ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم) فيه تصريح بأن السحر لا يعود على صاحبه بفائدة ولا يجلب إليه منفعة بل هو ضر محض وخسران بحت، واللام في قوله (ولقد) جواب قسم محذوف، وفي قوله (لمن اشتراه) للتأكيد و " من " موصولة وهي في محل رفع على الابتداء، والخبر قوله (ماله في الآخرة من خلاق) وقال الفراء إنها شرطية للمجازاة. وقال الزجاج: ليس هذا بموضع شرط، ورجح أنها موصولة كما ذكرنا. والمراد بالشراء هنا الاستبدال آي من استبدل ما تتلوا الشياطين على كتاب الله. والخلاق: النصيب عند أهل اللغة، كذا قال الزجاج. والمراد بقوله (ما شروا به أنفسهم) أي باعوها. وقد أثبت لهم العلم في قوله (ولقد علموا) ونفاه عنهم في قوله (لو كانوا يعلمون) واختلفوا في توجيه ذلك فقال قطرب والأخفش: إن المراد بقوله (ولقد علموا) الشياطين، والمراد بقوله (لو كانوا يعلمون) الإنس. وقال الزجاج: إن الأول للملكين وإن كان بصيغة الجمع فهو مثل قولهم:
الزيدان قاموا. والثاني المراد به علماء اليهود، وإنما قال (لو كانوا يعلمون) لأنهم تركوا العمل بعلمهم، وقوله (ولو أنهم آمنوا) أي بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وما جاء به من القرآن (واتقوا) ما وقعوا فيه من السحر والكفر، واللام في قوله (لمثوبة) جواب لو، والمثوبة: الثواب. وقال الأخفش: إن الجواب محذوف والتقدير ولو أنهم آمنوا واتقوا لأثيبوا، فحذف لدلالة قوله " لمثوبة " عليه وقوله (لو كانوا يعلمون) هو إما للدلالة على أنه لا علم لهم، أو لتنزيل علمهم مع عدم العمل منزلة العدم.
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس " قال ابن صوريا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا محمد ما جئتنا بشئ يعرف، وما أنزل الله عليك من آية بينة، فأنزل الله تعالى في ذلك (ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون) وقال مالك بن الصيف حين بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذكرهم ما أخذ عليهم من الميثاق وما عهد إليهم في محمد: والله ما عهد إلينا في محمد ولا أخذ علينا شيئا، فأنزل الله (أو كلما عاهدوا) الآية. وأخرج ابن جرير عنه في قوله (آيات بينات) يقول: فأنت تتلوه عليهم وتخبرهم به غدوة وعشية وبين ذلك، وأنت عندهم أمي لم تقرأ الكتاب، وأنت تخبرهم بما في أيديهم على وجهه، ففي ذلك عبرة لهم وحجة عليهم (لو كانوا يعلمون). وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله (نبذه) قال: نقضه. وأخرج أيضا عن السدي في قوله (مصدق لما معهم) قال: لما جاءهم محمد عارضوه بالتوراة، واتفقت التوراة والقرآن فنبذوا التوراة وأخذوا بكتاب آصف وسحر هاروت وماروت، كأنهم لا يعلمون بما في التوراة من الأمر باتباع محمد صلى الله عليه وآله وسلم وتصديقه. وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: إن الشياطين كانوا يسترقون السمع من السماء، فإذا سمع أحدهم بكلمة حق كذب معها ألف كذبة، فأشربتها قلوب الناس واتخذوها دواوين، فأطلع الله على ذلك سليمان بن داود، فأخذها فدفنها تحت الكرسي، فلما مات سليمان قام شيطان بالطريق فقال: ألا أدلكم على كنز سليمان الذي لا كنز لأحد مثل كنزه الممنع؟ قالوا: نعم، فأخرجوه فإذا هو سحر، فتناسختها الأمم. وأنزل الله عذر سليمان فيما قالوا من السحر فقال