في قوله (ثم توليتم) قال: أي تركتم ذلك كله. وأخرج ابن جرير عنه أنه قال: معناه أعرضتم عن طاعتي إلا قليلا منكم وهم الذين اخترتهم لطاعتي. وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله (لا تسفكون دماءكم) لا يقتل بعضكم بعضا (ولا تخرجون أنفسكم من دياركم) لا يخرج بعضكم بعضا من الديار (ثم أقررتم) بهذا الميثاق (وأنتم تشهدون) وأنتم شهود. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (ثم أقررتم) أن هذا حق من ميثاقي عليكم (ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم) أي أهل الشرك حتى تسفكوا دماءهم معهم (وتخرجون فريقا منكم من ديارهم) قال: تخرجونهم من ديارهم معهم (تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان) فكانوا إذا كان بين الأوس والخزرج حرب خرجت معهم بنو قينقاع مع الخزرج والنضير وقريظة مع الأوس وظاهر كل واحد من الفريقين حلفاءه على إخوانه حتى يسافكوا دماءهم، فإذا وضعت الحرب أوزارها افتدوا أسراهم تصديقا لما في التوراة (وإن يأتوكم أسارى تفادوهم) وقد عرفتم أن ذلك عليكم في دينكم (وهو محرم عليكم) في كتابكم لإخراجهم (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض) أتفادونهم مؤمنين بذلك، وتخرجونهم كفرا بذلك. وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله (أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة) قال: استحبوا قليل الدنيا على كثير الآخرة.
الكتاب: التوراة، والتقفية: الإتباع والإرداف، مأخوذة من القفا وهو مؤخر العنق، تقول: استقفيته:
إذا جئت من خلفه، ومنه سميت قافية الشعر لأنها تتلو سائر الكلام. والمراد أن الله سبحانه أرسل على أثره رسلا جعلهم تابعين له وهم أنبياء بني إسرائيل المبعوثون من بعده. و (البينات) الأدلة التي ذكرها الله في آل عمران والمائدة. والتأييد: التقوية. وقرأ مجاهد وابن محيصن (آيدناه) بالمد وهما لغتان. وروح القدس من إضافة الموصوف إلى الصفة: أي الروح المقدسة. والقدس: الطهارة، والمقدس: المطهر - وقيل هو جبريل أيد الله به عيسى، ومنه قول حسان:
وجبريل أمين الله فينا * وروح القدس ليس به خفاء قال النحاس: وسمى جبريل روحا وأضيف إلى القدس لأنه كان بتكوين الله له من غير ولادة - وقيل القدس هو الله عز وجل، وروحه جبريل وقيل المراد بروح القدس: الاسم الذي كان عيسى يحيى به الموتى، وقيل المراد به الإنجيل، وقيل المراد به الروح المنفوخ فيه، أيده الله به لما فيه من القوة. وقوله (بمالا تهوى أنفسكم) أي بما لا يوافقها ويلائمها، وأصل الهوى: الميل إلى الشئ. قال الجوهري: وسمى الهوى هوى لأنه يهوي بصاحبه إلى النار. وبخهم الله سبحانه بهذا الكلام المعنون بهمزة التوبيخ فقال (أفكلما جاءكم رسول) منكم (بمالا) يوافق ما تهوونه استكبرتم عن إجابته احتقارا للرسل واستبعادا للرسالة، والفاء في قوله " أفكلما " للعطف على مقدر أي آتيناكم يا بني إسرائيل من الأنبياء ما آتيناكم أفكلما جاءكم رسول. وفريقا منصوب بالفعل الذي بعده والفاء