الكشاف. وقرأ الأعمش " أو أشد " بنصب الدال، وكأنه عطفه على الحجارة فيكون أشد مجرورا بالفتحة. وقوله (وإن من الحجارة) إلى آخره، قال في الكشاف إنه بيان لفضل قلوبهم على الحجارة في شدة القسوة وتقرير لقوله (أو أشد قسوة) انتهى. وفيه أن مجئ البيان بالواو غير معروف ولا مألوف، والأولى جعل ما بعد الواو تذييلا أو حالا. التفجر: التفتح، وقد سبق تفسيره. وأصل (يشقق) يتشقق أدغمت التاء في الشين، وقد قرأ الأعمش " يتشقق " على الأصل. وقرأ ابن مصرف ينشق بالنون، والشق واحد الشقوق، وهو يكون بالطول أو بالعرض، بخلاف الانفجار فهو الانفتاح من موضع واحد مع اتساع الخرق. والمراد: أن الماء يخرج من الحجارة من مواضع الانفجار والانشقاق، ومن الحجارة ما يهبط: أي ينحط من المكان الذي هو فيه إلى أسفل منه من الخشية لله التي تداخله وتحل به، وقيل إن الهبوط مجاز عن الخشوع منها، والتواضع الكائن فيها انقيادا لله عز وجل، فهو مثل قوله تعالى - لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله - وقد حكى ابن جرير عن فرقة أن الخشية للحجارة مستعارة كما استعيرت الإرادة للجدار، وكما قال الشاعر:
لما أتى خبر الزبير تواضعت * سور قوله المدينة والجبال الخشع وذكر الجاحظ أن الضمير في قوله (وإن منها) راجع إلى القلوب لا إلى الحجارة، وهو فاسد، فإن الغرض من سياق هذا الكلام هو التصريح بأن قلوب هؤلاء بلغت في القسوة وفرط اليبس الموجبين لعدم قبول الحق والتأثر للمواعظ إلى مكان لم تبلغ إليه الحجارة، التي هي أشد الأجسام صلابة وأعظمها صلادة، فإنها ترجع إلى نوع من اللين، وهي تفجرها بالماء وتشققها عنه وقبولها لما توجبه الخشية لله من الخشوع والانقياد بخلاف تلك القلوب.
وفي قوله (وما الله بغافل عما تعملون) من التهديد وتشديد الوعيد مالا يخفى، فإن الله عز وجل إذا كان عالما بما يعملونه مطلعا عليه غير غافل عنه كان لمجازاتهم بالمرصاد.
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله (وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها) قال: اختلفتم فيها (والله مخرج ما كنتم تكتمون) قال: ما تغيبون. وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن المسيب بن رافع قال " ما عمل رجل حسنة في سبعة أبيات إلا أظهرها الله، وما عمل رجل سيئة في سبعة أبيات إلا أظهرها الله، وتصديق ذلك في كتاب الله (والله مخرج ما كنتم تكتمون) " وأخرج أحمد والحاكم وصححه عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " لو أن رجلا عمل عملا في صخرة صماء لا باب لها ولا كوة خرج عمله إلى الناس كائنا ما كان " وأخرج البيهقي من حديث عثمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " من كانت له سريرة صالحة أو سيئة أظهر الله عليها منها رداء يعرف به " ورواه البيهقي أيضا بنحوه من قول عثمان قال: والموقوف أصح.
وأخرج أبو الشيخ والبيهقي عن أنس مرفوعا حديثا طويلا في هذا المعنى، ومعناه: أن الله يلبس كل عامل عمله حتى يتحدث به الناس ويزيدون، ولو عمله في جوف بيت إلى سبعين بيتا على كل بيت باب من حديد، وفي إسناده ضعف. وأخرج ابن عدي من حديث أنس أيضا مرفوعا " إن الله مرد كل امرئ رداء عمله ". ولجماعة من الصحابة والتابعين كلمات تفيد هذا المعنى. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (فقلنا اضربوه ببعضها) قال: ضرب بالعظم الذي يلي الغضروف. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة أنهم ضربوه بفخذها. وأخرج مثله ابن جرير عن عكرمة. وأخرج نحوه عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد. وأخرج ابن جرير عن السدي قال: ضرب بالبضعة التي بين الكتفين. وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ في العظمة عن