قوله (يسألك أهل الكتاب) هم اليهود سألوه صلى الله عليه وآله وسلم أن يرقى إلى السماء وهم يرونه، فينزل عليهم كتابا مكتوبا فيما يدعيه يدل على صدقه دفعة واحدة كما أتى موسى التوراة تعنتا منهم، أبعدهم الله، فأخبره الله عز وجل بأنهم قد سألوا موسى سؤالا أكبر من هذا السؤال، فقالوا (أرنا الله جهرة) أي عيانا، وقد تقدم معناه في البقرة، وجهرة نعت لمصدر محذوف: أي رؤية جهرة. وقوله (فقد سألوا) جواب شرط مقدر: أي إن استكبرت هذا السؤال منهم لك فقد سألوا موسى أكبر من ذلك. قوله (فأخذتهم الصاعقة) هي النار التي نزلت عليهم من السماء فأهلكتهم، والباء في قوله (بظلمهم) للسببية: أي بسبب ظلمهم في سؤالهم الباطل لامتناع الرؤية عيانا في هذه الحالة، وذلك لا يسلتزم امتناعها يوم القيامة، فقد جاءت بذلك الأحاديث المتواترة. ومن استدل بهذه الآية على امتناع الرؤية يوم القيامة فقد غلط غلطا بينا، ثم لم يكتفوا بهذا السؤال الباطل الذي نشأ منهم بسبب ظلمهم بعد ما رأوا المعجزات، بل ضموا إليه ما هو أقبح منه وهو عبادة العجل. وفي الكلام حذف والتقدير: فأحييناهم فاتخذوا العجل. والبينات: البراهين والدلائل، والمعجزات من اليد والعصا وفلق البحر وغيرها (فعفونا عن ذلك) أي عما كان منهم من التعنت وعبادة العجل (وآتينا موسى سلطانا مبينا) أي حجة بينة وهي الآيات التي جاء بها، وسميت سلطانا، لأن من جاء بها قهر خصمه، ومن ذلك أمر الله سبحانه له بأن يأمرهم بقتل أنفسهم توبة عن معصيتهم، فإنه من جملة السلطان الذي قهرهم به (ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم) أي بسبب ميثاقهم ليعطوه، لأنه روى أنهم امتنعوا من قبول شريعة موسى فرفع الله عليهم الطور فقبلوها، وقيل إن المعنى بسبب نقضهم ميثاقهم الذي أخذ منهم، وهو العمل بما في التوراة وقد تقدم رفع الجبل في البقرة، وكذلك تفسير دخولهم الباب سجدا (وقلنا لهم لا تعدوا في السبت) فتأخذوا ما أمرتم بتركه فيه من الحيتان، وقد تقدم تفسير ذلك، وقرئ لا تعتدوا وتعدوا بفتح العين وتشديد الدال (وأخذنا منهم ميثاقا غليظا) مؤكدا وهو العهد الذي أخذه عليهم في التوراة، وقيل إنه عهد مؤكدا باليمين، فسمى غليظا لذلك. قوله (فبما نقضهم ميثاقهم) ما مزيدة للتوكيد، أو نكرة، ونقضهم بدل منها و، الباء متعلقة بمحذوف، والتقدير: فبنقضهم ميثاقهم لعناهم. وقال الكسائي: هو متعلق بما قبله والمعنى: فأخذتهم الصاعقة بظلمهم إلى قوله (فبما نقضهم ميثاقهم) قال: ففسر ظلمهم الذي أخذتهم الصاعقة بسببه بما بعده من نقضهم ميثاقهم وقتلهم الأنبياء وما بعده. وأنكر ذلك ابن جرير الطبري وغيره، لأن الذين أخذتهم الصاعقة كانوا على عهد موسى، والذين قتلوا الأنبياء ورموا مريم بالبهتان كانوا بعد موسى بزمان، فلم تأخذ الصاعقة الذين أخذتهم برمتهم بالبهتان قال المهدوي وغيره: وهذا لا يلزم لأنه يجوز أن يخبر عنهم، والمراد آباؤهم، وقال الزجاج: المعنى فبنقضهم ميثاقهم حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم، لأن هذه القصة ممتدة إلى قوله (فبظلم من الذين هادوا حرمنا) ونقضهم الميثاق أنه أخذ عليهم أن يبينوا صفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقيل المعنى: فبنقضهم ميثاقهم وفعلهم كذا طبع الله على قلوبهم، وقيل المعنى: فبنقضهم
(٥٣٣)